أكد الأستاذ عباس السبتي خطيب جمعة البصرة أن الحوار والمجادلة بالحسنى والنقاش العلمي هو القاعدة الأساسية التي اعتمدها الإسلام في الدعوة إلى الأيمان بالله وعبادته، وفي كل قضايا الخلاف بينه وبين الإيديولوجيات والثقافات الأخرى، ولم تكن النماذج الحوارية التي طرحها القرآن الكريم مجرد حالة عرضية، أو سر تاريخي، وإنما تعبر عن اهتمام كبير من قبل الشارع المقدس لتأسيس وإبراز المنهج القويم الذي ينبغي أن يُسلك في الحوار والنقاشوذلك في جامع الإمام الباقر _عليه السلام _ الواقع وسط محافظة البصرة اليوم الجمعة السابع من رمضان 1441هجرية
الموافق الأول من أيار 2020 ميلادية.
وأكمل الأستاذ السبتي : فعندما نُلقي نظرة تأملية في آلية المنهج الحواري نجد انه ينطلق من ثوابت ومعايير عامة (العقل والمنطق والعلم والدليل والحجة والبرهان)، ويتحرك في مساحة واسعة لحرية التفكير، وضمن مناخ هادئ ومعتدل بعيد عن التوترات والانفعالات، رافعا كل الخطوط الحمراء التي تُكَبِّل الحوار وتُقيِّد ديناميكيته، فلا مقدسات في الحوار العلمي كي لا تنسد أي باب من أبواب التفكير والمعرفة،
وأضاف السيد عباس السبتي : وأن ما ينقله لنا القرآن الكريم من حوارات جرت بين الأنبياء والكافرين دار فيها النقاش حول إثبات الخالق وتوحيده وصفاته وكيف أنهم أعطوا الحرية للخصوم في طرح ما عندهم حتى لو كان مرتبطا بالذات الإلهية…
وكانوا يتعاطون مع هكذا طرح بسعة صدر، وافق رحب يستوعب كل ما يخطر في الذهن والفكر، ومن ثم مناقشته وإبطاله بأسلوب علمي قائم على مبدأ التدرج في النقض، فلم تكن ردود الأنبياء انفعالية أو عدوانية، ولم تكن مُختَزَلة في كلمة تثير ولا تستوعب، وتُبَعِّد ولا تستقطب، وتُنَفَّر ولا تجذب، وتدفع بالخصم إلى العناد.
وبين الأستاذ السبتي : فحوار خليل الله إبراهيم “عليه السلام” مع النمرود الذي ادعى الربوبية نموذجا واحد من نماذج الحوار الإلهي العلمي العقلي، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[البقرة:258]، فالملاحظ أن النبي لم يقابل الخصم بحكم وقرار مُختَزَل في كلمة واحدة، فلم يقل له : أنت كافر، أو ملحد، أو كاذب أو باطل رغم انه يستحق كل هذا، بل لم ينفِ عنه الربوبية كأنْ يقول له : أنت ليس برب ، أنت مدعي
فيما أوضح السبتي : إنَّ من ابرز وأجمل وأرقى ما يتميز به المنهج الحواري الإلهي هو انعدام روح الاستعلاء والتكبر والتسلط رغم أنه يمتلك القوة وله الأمر إلا انه “جلَّ شأنه” فتح باب الحوار معه وأجراه مع خلقه، مع الملائكة والبشر، بل حتى مع الشيطان “العدو المبين” وأعطاه الحرية في السؤال والنقاش ، وهذا ما سار عليه الأنبياء والأوصياء والمصلحون
وأشار السبتي :هذا المنهج جسده وسار عليه السيد الصرخي الحسني ودعا إلى التمسك به مرارا وتكرارا ، مشددا على عدم تحويل النقاشات والحوارات والخلافات في وجهات النظر إلى نقمة ومدعاة للسب والتكفير والتقتيل والقفز على العوامل والثوابت المشتركة التي تكفي لأن تكون جامعا تجتمع عليه الأمة الإسلامية بل البشرية جمعاء، بكل دياناتها ومعتقداتها وتوجهاتها كي تعيش نعمة السلام، مؤكدا على عدم توظيف واستغلال الفكر في إباحة الدماء وانتهاك الأعراض وتدنيس المقدسات وقمع الآخرين أو إلغائهم ومصادرة حريتهم في الفكر والعقيدة، إذ قال سماحته في المحاضرة الرابعة والثلاثين ضمن سلسة محاضرات “تحليل موضوعي في العقائد والتأريخ الإسلامي” والتي ألقاها مباشرة عبر النت وبتاريخ 3 نيسان 2015 الموافق 13 جمادي الآخر 1436 ، إذ قال : ((نحن لا نعترض على الفكر وتبنيه، ولكن اعتراضنا على توظيفه في إباحة الدماء والأعراض والأموال..
وشدد السبتي :كما أكد سماحته في التغريدات الأخيرة على أن بعض الكتب لا يمكن الاستدلال بها لما تحمله من ضعف وعدم صحة سند الروايات المستخدمة للاستدلال … كونها لا سند فيها … فكيف تكون دليلا يستند عليها وتبنى عليها موسوعة في حق الإمام عليه السلام…
هذا ما لدينا من فكر وما نعتقد به … وما توصلنا إليه بالدليل العلمي …ومن شاء فليأت الى ساحة النقاش العلمي والمجادلة بالحسنى …. محكمين العقل والإنصاف بعيدين عن التوتر والتشنج العاطفي
ركعتا صلاة الجمعة المباركة