للسيد الأستاذ.. “لا أزليّة ولا لاهوت.. في اتحاد اللاهوت بالناسوت.. مقارنة الأديان”
يُلقيه أساتذة وباحثون مختصون بالفكر الإسلامي
د. حيدر الخزاعي.. الباحث حسين الخليفاوي.. الباحث سليم الخليفاوي
ضمن سلسلة بحوث: ” مقارنة الأديان بين التقارب والتجاذب والإلحاد”
بابل | الحمزة الغربي
من أهم عناوين بحث “مقارنة الأديان بين التقارب والتجاذب والإلحاد”:
1. قانون التحدي والمنهج الوسطي في مقارنة الأديان.
2. حاجة الربّ لكرسيّ داود وعدم تحقق النبوءة.
3. أعِدّوا طريق الربّ قد اقترب ملكوت السماوات.
4. صوت صارخ في البرية توبوا قد اقترب ملكوت السماوات.
5. العهد القديم يدعو إلى التوجيد.
6. الإشارة والنداء بين إشعيا والإنجيل والتلمود.
..وغيرها.
مقتبس تحت عنوان “لا أزليّة ولا لاهوت.. في اتّحاد اللاهوت بالناسوت“:
هنا عدّة أمور:
الأول: في موقع الانبا تكلا تحت عنوان “كتاب حتمية التجسّد الإلهي“:
قال في سؤال 35: متى تمّ الاتّحاد بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية؟
الجواب: … ولأنّ السيدة العذراء ولدت الله الكلمة المتأنّس لذلك فإنّها ولدته بدون زرع بشر وبدون ألم قبل أن يأخذها الطَّلْق ولدت قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذَكَراً. وبسبب اتّحاد اللاهوت بالناسوت ولدت العذراء ابنها وبكوريتها مختومة فقال لي الرب: هذا الباب يكون مغلقاً لا يُفتَح ولا يدخل منه إنسان لأنّ الربّ إله إسرائيل قد دخل فيه فيكون مغلقاً. وفي التسبحة نقول: بعدما ولدته بقيت عذراء بتسابيح وبركات نعظمك. وفي قسمة عيد الميلاد يصلّي الآب الكاهن قائلاً: الكائن في حظنه الأبويّ كلّ حين اتى وحلّ في الحَشا البتولي غير الدّنس. ولدته وهي عذراء وبكارتها مختومة.
وبسبب الاتّحاد دُعيت العذراء مريم والدة الإله.
تعليق السيد الأستاذ:
أقول:
أ- لو كان التجسّد الإلهي ضرورياً وحتميّاً فلماذا تأخّر تحقّقه ملايين أو ما لايُحصى من السنين، إلى أن جاء وقت الحَمل بعيسى في بطن مريم (عليها السلام)؟
ب- ولمّا كان عيسى (عليه السلام) متكونّاً من طبيعتين، اللاهوت والناسوت، وأنّ وجود عيسى خارجاً قد تحقّق بعد الاتّحاد بين الناسوت واللاهوت وأنّ هذا الاتّحاد قد تحقّق متأخراً، أي في وقت حَمل مريم بعيسى، فإنّه يثبت أن عيسى مُحدَث وليس قديماً.
ت- وما دام العالَم، بل العوالم، قائمة قبل حدوث الاتّحاد بين اللاهوت والناسوت وقبل وجود عيسى فيثبت أنّ وجود عيسى ليس ضرورياً للعوالم، بل لا حاجة للعوالم بعيسى أصلاً لأنّها كانت موجودة وقائمة ومنتظمة قبل أن يوجَد عيسى (عليه السلام).
ث- لمّا اتّحد اللاهوت بالناسوت وتكوّنت الطبيعة الجديدة فهل هذه الطبيعة طبيعة لاهوتية أم طبيعة ناسوتية؟ باعتبار أنّ النتيجة تتبع أضعف وأخسّ المقدّمتين، وأنّ الناسوت أضعف وأخسّ من اللاهوت. أو انّها طبيعة جديدة لا لاهوتية ولا ناسوتية؟ أو انّها طبيعة لاهوتية ناسوتية معاً؟
وعلى جميع الفروض فإنّها طبيعة جديدة تحقّقت ووُجدت بعد الاتّحاد، فهي طبيعة مُحدَثة ليست أزليّة وليست قديمة.
جـ. بعد أن ثبت أنّ اتّحاد اللاهوت بالناسوت أنتج طبيعة مُحدَثة، فإنّه يَثبُت أنّ عبادة هذه الطبيعة هي عبادة مُحدَثة وليست أزليّة، وهذا يعني أنّها ليست عبادة ضرورية وليست حتمية بدليل أنّ كل الشعوب التي سبقت وجود هذه الطبيعة وهذه العبادة كانت تعبد الله وفق التعاليم السماوية التي ترشد الناس إلى عبادة الله وتوجّههم إلى أنواع الصلوات والأعمال العبادية والسبل والوسائل العِبادية التي تصحّ وتتمّ فيها العبادة لله الواحد. وليس من بينها العبادة المُحدَثة التي ارتبطت بالطبيعة المُحدَثة.
حـ. لو كانت هذه العِبادة المُحدَثة عبادة أصيلة وأزلية وضرورية وحتمية لَما تركها الأنبياء والرسل والكتب السماوية، حيث أنّهم لم ولن يتعبّدوا بها ولم ولن يذكروها أو يشيروا إليها، لا في كتبهم السماوية ولا في ما صدر عنهم من كلام أو فعل. ولو كانت هذه العبادة عبادة أصيلة وأزلية وضرورية وحتمية لَما استغنت عنها البشرية على طول التاريخ إلى يوم حَمل مريم بعيسى وحصول الاتّحاد المزعوم بين اللاهوت والناسوت.
خـ. لا فرق فيما ذكرناه سواء كان وجود الناسوت سابقاً أو لاحقاً أو مُقارِناً لوجود اللاهوت الذي اتّحد معه، فالعبادة للناسوت متحقّقة على كلّ حال. وعليه لا يُجدي الكلام عن أنَّ الناسوت وُجِد مُقارِناً لوجود اللاهوت، فعلى كل التقديرات تكون العبادة للناسوت بالأصالة أو التضمُّن أو التّبعيّة. فالنتيجة اليقينية هي تَحَقُّق تأليه وعِبادة للإنسان والناسوت؛ نعم إنّها عبادة للناسوت المحض أو للناسوت المخلوط باللاهوت أو للاهوت المخلوط بالناسوت، فالعبادة للناسوت واقعة على كلّ حال لأنّ الناسوت باقٍ على كلّ حال ضمن الطبيعة الجديدة المُحدَثة.
د. إذن فالتلاعب بالكلمات لا يغيّر من المعنى والحقيقة شيئاً، فالتأليه والعبادة للناسوت متحقّقة سواء قيل أنّه إله تجسّد وتأنّس أو إنسان تألّه أو طبيعة ناسوتية لاهوتية مركَّبة من إنسان وإله أو إله وإنسان، لأنّهم يقولون أنّ الجسد الإنسان الناسوت يبقى كما هو لا ينقلب ولا يتحول ولا يستحيل إلى طبيعة ثانية ولا يختلط ولا يمتزج باللاهوت فيبقى الجسد الانسان الناسوت كما هو دون أي تغيير فالعبادة تكون للناسوت على كل حال سواء بالاستقلال أو التضمذن أو التّبع، قال: “كلاهما وُجدا معاً في لحظة واحدة فاتّحدا اتّحاداً ذاتيّاً طبيعيا جوهريا أقنومياً بدون اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة”.
ذ. يتّضح ممّا سبق أنّه لا يتمّ ما جاء في نفس المصدر حيث قال إغناطيوس زكا الأول في مؤتمر القدس 1959 والذي عُقد من أجل وحدة الكنائس: “غير أنه لا اللاهوت وُجد في أحشاء العذراء قبل وجود الناسوت فيها ولا الناسوت وُجد قبل اللاهوت، بل كلاهما وُجدا معاً في لحظة واحدة فاتّحدا اتّحاداً ذاتيا طبيعياً جوهرياً أقنومياً بدون اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة، بسرٍّ لا يُدرَك، وولدته العذراء بعد تسعة أشهر وهي بتول فصار الكلمة جسداً”. ويقول نيافة الأنبا بشوي مطران دمياط وسكرتير المجمع المقدّس: “كلمة الله اتّحد الناسوت في لحظة تكوّن الجنين كمثل حدّ السيف أي في زمن قيمته صفر تمّ التجسّد الإلهي، تكوّن الجنين واتّحد اللاهوت بالناسوت، وهذا يَحُلّ مشكلة كبيرة لمن يقولون أنّنا نؤلّه الإنسان. نحن نؤمن بإله تجسّد وليس بإنسان تألّه، فيسوع ليس إنساناً صار إلهاً. لكننا نقول أنّ كلمة الله الذي ظهر في الجسد … إذن فقد تمّ اتّحاد اللاهوت بالناسوت منذ اللحظة الأولى للتجسّد، لكنني أفضّل أن أقول اتّحد اللاهوت بالناسوت في التجسّد، وأفضل تعبير هو أن نقول لقد وُجد الناسوت في الاتّحاد، أي انّ الناسوت وُجد داخل عملية الاتّحاد أو انّ حدوث الاتّحاد كان في أثناء تكوّن الناسوت من العذراء بدون وجود فاصل زمني بينهما، بمعنى أنه حدث في لحظة الاتّحاد نفسها”.
ر. الكلام طويل ومتفرّع جدّاً، ونكتفي بالتنبيه والتذكير بأنّه تأتي استفهامات ونقاشات بناءا على ما يعتقدونه ويصرّحون به بأنّ الأقانيم الثلاثة عبارة عن جوهر واحد وطبيعة واحدة لا انفصال بينها. قال: “الأقنوم هو كائن حقيقي له شخصيته الخاصة به وله إرادة ولكنه واحد في الجوهر والطبيعة مع الأقنومين الآخَرَيْن بغير انفصال”. (موقع الأنبا تكلا، سنوات مع ايميلات الناس، أسئلة اللاهوت والإيمان والعقيدة).
ومن هنا يأتي الاعتراض والإشكال عن إدارة شؤون العوالم وتنظيمها في فترة وجود اللاهوت الجوهر الواحد الطبيعة الواحدة في بطن مريم واتّحاده بالناسوت. ولكن لا يتوقف النزاع والإشكال والحوار إلى هذا الحدّ بل هناك فروض وتفريعات كثيرة لا تُحصى تزيد على عدد الآراء والمزاعم والادّعات والاستحسانات المطروحة على طول التاريخ منذ عصر السيد المسيح إلى يومنا هذا. ونكتفي هنا بالاستفهام عن:
1. هل اللاهوت نفسه الذي اتّحد بالناسوت، هل هو لاهوت الابن فقط أو لاهوت الروح القُدُس أو لاهوت الآب أو هو لاهوت اثنين منهم دون الثالث أو هو لاهوت الثلاثة معاً؟
2. وهل الأقانيم الثلاثة يفتقر بعضها إلى البعض الآخر؟ فهل الابن والروح القُدُس يفتقران للجوهرية ويحتاجان إلى الآب من أجل الجوهرية؟! وهل الآب والروح القُدُس يفتقران للعقل فيحتاجان للإبن من أجل العقل؟ وهل الآب والإبن يفتقران للحياة ويحتاجان للروح القُدُس من أجل الحياة؟
الآراء والمزاعم كثيرة جداً لا يمكن إحصاؤها من حيث أنه لا يوجد ضابطة ولا مرجعية لغوية أو عرفية يمكن الرجوع إليها، بل لا يوجد حتّى مرجعية إشارتية رمزية نرجع إليها، فكل قول ورأي يصدر من قس ورجل دين أو مفسر بل حتى من غيرهم فهو رأي مسموح ومقبول بل مشرعَن ومقدَّس وصادر أو مؤيَّد ومُمضى من الروح القُدُس المعزّي والابن يسوع المسيح والآب ومن الله الآب الابن الروح القُدُس.
ولا غرابة في ذلك عندما نعلم أنه يأتي شخص أو أكثر فيدّعي أنّه قد حصلت له كرامة بسبب شخص متوفى في رؤيا أو عند قبره بسبب عَرض ممتلكاته فيصير المتوفي ممجَّداً ومقدَّساً وثقةً جليلاً وذا فم ذهبي وما صدر عنه من كلام فهو كلام نوراني ربّاني قد صدر بوحي وإمضاء الروح القُدُس! وكما يحصل في أيامنا هذه من تقديس مفاجيء مزعوم لأموات بل لقبور مجهولة لا يعلم أحد أنها قبور أصلاً! فضلاً عن أن يعلموا حقيقة من مدفون فيها! وتقديس المركبات وأعمدة الكهرباء والحيوانات والأشجار وغيرها من أمور وسط الجهل والتجهيل المقصود من أجل السيطرة على البسطاء وإسكاتهم عن كل ما يحصل من فساد وإفساد! بل لجعلهم يقدّسون الفساد والمفسدين والإفساد! نعم يوجد فرق بين تجهيل وتجهيل وبين تقديس وتقديس، فالتقديس الباطل عندنا تقديس جهلاء العالم الثالث والمجتمعات الشرقية والشعوب الفقيرة والناس المتخلفة غير المتطورة والمجتمعات المقهورة المستعمَرة، ووراء كل ذلك أنه تقديس منسوب للإسلام!! بينما التقديس عندهم تقديس عالم الغرب والعلمانية والتكنولوجيا ومجتمع الانفتاح والتعرّي والتحلّل والتميّع والإلحاد المقرون والمنسوب زيفاً للكنيسة ودين المسيح، والمسيح منهم براء والكنيسة المقدَّسة على منهج عيسى وأمه العذراء بريئة من ذلك كله، كما أنّ الإسلام ونبي الإسلام وآل بيته وأصحابه الأخيار بريئون من ذلك الجهل والتجهيل والانحراف في الفكر والعقيدة والسلوك.