داهمت الطائفية المسلمين بشدّة منقطعة النظير، حتى عصفت الفتن بكل مكونات المسلمين و انتشرت حركات وتنظيمات إرهابية تمتهن القتل و التكفير وهي ترفع شعارات الإسلام! و ظهرت شخصيات في الغرب والشرق تتحدث بلهجة طائفية يملؤها الحقد والكراهية. وكان ظاهراً اعتماد هذه التنظيمات والشخصيات على انتقاء أحداث ومواقف تاريخية مثيرة للتساؤل تتخلل التأريخ الإسلامي وعقائد المسلمين.
ولمّا ضعف صوت العقلاء والعلماء وسط ضجيج المغرضين والمتطرفين، سادت بلبلة كبيرة في فهم المواقف التأريخية وإرجاعها إلى أسبابها المتداخلة. وقد رافق ذلك تعميق وإبراز و ترويج للعداء والتطرف وإخفاء متعمَّد للجوانب الأخرى المشرقة من التأريخ الإسلامي، ممّا أدّى الى جعل جمهور المسلمين يعيشون تحت تأثير مستمر من الإنغلاق على مذاهبهم و رؤية الأمور من منظار يضيق عن تقبّل الآخرين.
وقد كان هذا فشلاً مخيفًا للتنظير الإسلامي في إثبات أهليته لإنتاج أفكار وتطبيقات تسمو على الطائفية وتعطي صورة تجمع كل مكوّنات الإسلام سوية دون استبعاد أو إقصاء أحد، ناهيك عن إمكانية الإنفتاح على أفق الإنسانية بكل مكوناتها.
ولعلّ من أسباب غياب التصدّي الواضح لهذه الموجات المتلاطمة من الفتن الطائفية هو أنّ تقليب أوراق التأريخ سيثير حفيظة أطراف عديدة تتمتع بالنفوذ والقوة والمال والأتباع والسطوة. فأيّ نقد جريء للمواقف التأريخية لطائفة ما لا بدّ أن يثير حفيظة أتباع تلك الطائفة و يضع صاحب هذا الموقف في زاوية الإتّهام و العداء.
وبالرغم من صعوبة هذه المهمة والتعقيدات التي تكتنفها، فقد انبرى سماحة السيد الأستاذ الصرخي الحسني (دام ظله) لهذا البحث التأريخي العقائدي ليقوم –مرّة أخرى– بدور العالِم تجاه أمّته عند الفتن والمحن. فشرع سماحته في التوضيح والنقد وإرجاع الروايات الى أصولها ومقارنتها و استنباط المواقف والآراء منها. وقد تميّز هذا البحث بالجرأة والعمق في الموقف والتحليل والتفكيك و الإحالة والإستنباط، فكانت المحصّلة هذه البحوث التي لا نبالغ إذا قلنا أن شيئا من البحث التأريخي والعقائدي لا يماثلها، لا في الأسلوب وطرق البحث ولا في عمق ورصانة الأفكار والإستدلالات ولا في بساطة عَرض الموضوع ووضوح الرؤية، ناهيك عن أنّها تؤدي دور جمع الأمة الإسلامية على كلمةٍ واحدة وسطى ومنهجٍ معتدل.
هذه السلسة تشمل البحوث والمحاضرات التالية:
- محاضرات في العقائد والتأريخ الإسلامي: