اقيمت صلاة الجمعة المباركة لمدينة العمارة في مسجد السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره الشريف ) بتاريخ الخامس عشر من شهر شعبان المعظم لعام الف واربعمائة وثمان وثلاثون للهجرة المباركة الموافق للثاني عشر من شهر ايار لسنة الفان وسبعة عشر للميلاد حيث كان الخطيب فضيلة الشيخ خالد المالكي ( اعزه الله ) وقبل الشروع بالخطبتين تقدم الخطيب بالتهنئة إلى مقام الرسول الاكرم ( صلى الله عليه واله ) وإلى مقام الامام امير المؤمنين ( عليه السلام ) وإلى مقام سيدتنا الزهراء ( عليها السلام ) وإلى الأئمة من ولدها ( عليهم السلام ) بمناسبة ولادة منقذ البشرية الامام محمد بن الحسن المهدي ( عجل الله فرجه ) وكما تقدم بالتهاني والتبريكات للامة الاسلامية وعلى رأسها سماحة السيد الصرخي الحسني ( دامت بركاته )
حيث بين ( دام عزه ) في الخطبة الاولى اهمية احد فروع الدين الا وهو الخمس مبتدئا خطبته بالاية الكريمة :
قال تعالى : واعلَموا أنَّما غَنِمتُم من شيءٍ فانَّ للهِ خُمُسَهُ وللرسولِ ولذي القربى واليتامى والمساكين وابنِ السبيلِ انْ كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يومَ التَقَى الجمعان والله على كل شئٍ قدير. المائدة/41
مو ضحاً ان موضوع خطبة صلاة الجمعة الاولى يتعلق بأحد فروع الدين التي فرضتها الشريعة المقدسة وجعلتها من اهم الواجبات،ألا وهو الخمس، وقد جعله الله تعالى لنبيه الاكرم محمد صلى الله عليه واله ولذريّته البررة عوضاً عن الزكاة ، وذلك اكراماً لهم, وألف عين لأجل عين تكرم, ومن منع منه درهماً أو أقل كان مندرجاً في الظالمين لهم والغاصبين لحقوقهم, بل من كان مستحلا بذلك كان من الكافرين وانكر ضرورياً من ضروريات الدين وأصبح من المرتدين وعليه لعنة الله الى يوم الدين .
وقد اهتم الخمس بجوانب متعددة من حياة هذه الأمة وهو حق من الحقوق المالية التي شرعها الله لمصلحة الأمة الإسلامية في تنفيذ مشاريعها ونشاطاتها الحيوية في ظل حياة آمنة مفعمة بالخير والأمل بعيدة عن عوارض الدهر.
وأضاف (دام عزه ) أن أهمية الخمس تزيد من مستوى الاهتمام الإسلامي بأدائه والمحافظة عليه وذلك له أبعاد اقتصادية لا يمكن تجاهلها فهو يشكل رافداً مهماً يصب في صالح طبقات المجتمع كافة ,
وبين الخطيب نسبة الخمس بقوله : إن النسبة المئوية التي يمثلها الخمس هي نسبة 20 % من الادخار ( الفاضل عن المؤونة ) وهو معدل ما يدخره الفرد عادة وقد أراد المشرع الإسلامي إن يبيّن إن حق المجتمع على هذا الإنسان في دفع هذه النسبة ليعيش الجميع في مستوى اقتصادي جيد , ويمكن من خلال هذه النسبة تحقيق التعايش الاجتماعي في ظل مبدأ التكافل الاجتماعي والاكتفاء الاقتصادي ،
وقد جاء في الحديث الصحيح عن سماعة ” انه سأل الامام جعفر بن محمد عن قوم عندهم فضل وباخوانهم حاجة شديدة وليس يسعهم الزكاة ، يسعهم ان يشبعوا ويجوع اخوانهم فان الزمان شديد ؟ فرد الامام عليه قائلا: ان المسلم اخ المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحرمه فيحق على المسلمين الاجتهاد فيه والتواصل والتعاون عليه والمواساة لاهل الحاجة”
وفي حديث اخر انّ الامام جعفر عليه السلام قال ” أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج اليه وهو يقدر عليه من عنده او من غيره اقامه الله يوم القيامة مسودّا وجهه مزرقة عيناه مغلولة يداه الى عنقه فيقال هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به الى النار”
ومن الواضح ان الامر به الى النار يدل على ان المؤمن يجب عليه اشباع حاجة اخيه المؤمن في حدود قدرته لان الشخص لا يدخل النار اذا ترك شيئا لا يجب عليه.
والخمس والزكاة بطبيعة الحال لم يشرعا لاجل اشباع الحاجات الاساسية فحسب بل لمعالجة ظاهرة الفقر والارتفاع بالفقير الى مستوى المعيشة الذي يمارسه الاغنياء تحقيقا لمبدأ التوازن الاجتماعي بمفهومه في الاسلام،
ووضح الخطيب المالكي ( دام عزه ) ورودالاحاديث الكثيرة الواردة عن اهل البيت ( عليهم السلام ) في فضل الخمس وتاديته لانه حق شرعي وبين بقوله :
……وما دام النفس يصعد وينزل علينا محاسبة انفسنا في كل الامور العبادية ومنها الحق الشرعي المتمثل بالخمس والنسبة الشهرية للراتب وكما تعلمون بانه لايجوز استخدام الراتب الا بعد دفع النسبة الشهرية فعليكم تطهير اموالكم ونفوسكم ولقمة عيشكم بدفع تلك الحقوق فلا تغرنكم الحياة الدنيا فان الدار الاخرة هي الحيوان .
واضاف ( دام عزه )…..وفي نفس الموضوع اود الاشارة الى امر يؤسف له جدا فأننا مما يوسف له نرى هناك الكثير من الاخوان اذا وصلت القضية للحق الشرعي والنسبة الشهرية فانه يتهاون ويتكاسل ويتثاقل في دفعها . لكن اذا كان في القضية لهو وسفر وراحة ودفع اموال للتذاكر والحجز لدول اوربا او غيرها فانه سرعان ما يعطي لكي يسرح ويمرح ويفعل ما يشاء سبحان الله مالكم كيف تفعلون فهل هذا جزاء الاحسان والرزق الالهي اليكم ..فهل يرضى احدنا ان يأكل وعائلته واهله لقمة العيش الحرام ؟وهل يرضى احدنا ان يأكل في بطنه نارا وسعيرا ؟ وهل يرضى احدنا ان يكون ممن يحارب الله ورسوله والامام المعصوم (عجل الله تعالى فرجه) بترك تلك الحقوق الشرعية .
ثم تطرق المالكي ( دام عزه ) في االخطبة الثانية :
الحديث عن قضيةِ الامامِ المهدي ( عجل اللهُ تعالى فرجه الشريف ) وما وردَ من احاديثَ ورواياتٍ واقوالٍ في مصادرِ العامةِ تُثبتُ حقيقةَ المهدي وظهورَهُ في اخرِ الزمن ،
وبين ( دام عزه ) موقفَ الخطِ التيمي الداعشي في التعاملِ مع النصوصِ والرواياتِ ، وكيف ان هذا الخط الإقصائي التكفيري التسلطي حاول بترَ قضيةِ الامامِ المهدي (عليه السلام) ودفنَها كما بترَ ودفنَ عنوانَ الاثني عشر ، موضحاً الكلامُ وفقَ ما جاء في محاضراتِ سماحةِ آيةِ الله العظمى السيد الصرخي الحسني (دام ظله) في بحثهِ ودرسهِ الدولةِ المارقةِ في عصر الظهورِ منذُ عهدِ الرسولِ (صلى الله عليه واله وسلم) والكلامُ في خطوات :
الخطوة الاولى:
لقد وصلنا الكثيرُ من الأحاديثِ الصحيحةِ الدالةِ على ظهورِ المهدي عليه السلام وأنّه سيكونُ في آخرِ الزمان، وهو علامةٌ من علاماتِ الساعةِ وشرطٌ من أشراطِها وقد ذُكرَ اسمُ وعنوانُ المهدي صراحةً في الكثيرِ منها، فيما أشارتُ باقي الرواياتِ إلى عناوينِ فهمَ منها كلُ عقلاءِ المسلمينَ أن المقصودَ منها هو الشخصُ المسمَّى بالمهدي، ومن هذهِ الأحاديث :
عن أبي سعيدٍ الخدري رضيَ اللهُ عنه أن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم قال: يخرجُ في آخرِ أمتي المهدي يَسقيه اللهُ الغيثَ وتُخرجُ الأرضَ نباتَها ويُعطي المالَ صحاحًا وتَكثرُ الماشيةُ وتعظمُ الأمةُ, يعيشُ سبعًا أو ثمانيًا. المصدر/ مستدرك الحاكم، وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحُ الإسنادِ ولم يخرجاه. مسلم والبخاري )
الخطوةُ الثانية :
لقد تواترتِ الأحاديثُ بظهورِ المهدي عليه السلام وأشارَ للتواتر العديدُ من العلماءِ والأئمة، وحتى ألزمَ المقابلَ الحجةَ ( والكلامُ لسماحةِ السيد الصرخي الحسني ) .. فنحن لا نتحدثُ عن حياةِ المهدي، فالكلامُ في الكليةِ وفي القاعدةِ والأصلِ وفي شخص المهدي، سواء كان مولودًا وعلى قيدِ الحياةِ او مازال حيًا وسيظهر، أو سيُولدُ لاحقًا، أو سيولد حاليًا، فهذا ليس مقامَ البحث. فالمهم نريدُ أن نثبتَ أصلَ القضية، وأصلَ المهدي ، فعندما يُعرضُ القومُ عن المهدي وعن أصلِ وذكرِ المهدي ،وهم يعترفونَ بهذهِ القضيةِ فعلينا أن نُثبتَ هذا الأمر، وعليه فأقول: لقد تواترتِ الأحاديثُ بظهورِ المهدي عليه السلام وأشارَ للتواتر العديدُ من العلماء والأئمةِ من أهلِ السنة … ومنهم :
قال الحافظ أبو الحسن الآبري: قد تواترتِ الأخبارُ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم بذكرِ المهدي وأنه من أهلِ بيته، وأنه يملكُ سبعَ سنين، وأنه يملأُ الأرضَ عدلًا، وأن عيسى عليه السلام يخرجُ فيساعدُهُ على قتلِ الدجال، وأنه يَؤمُ هذهِ الأمةَ ويُصلي عيسى خلفَه، وقد علمت أن أحاديثَ وجودِ المهدي وخروجَهُ آخرُ الزمان، وأنه من عترةِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولدِ فاطمةَ عليها السلام بلغت حدَ التواترِ المعنوي، فلا معنى لإنكارِها.
يُعلقُ سماحةُ السيد الصرخي الحسني هنا ويقول : (كلُ هذه العناوين، وكلُ ما ذكرَهُ الحافظ نجد كيف أن الخطَ التكفيريَ التيمي يسيرُ بالأمةِ وبالعقولِ نحوَ إنكارِ ودفنِ وقطعِ قضيةِ المهدي عن الوجودِ وعن الأصلِ والفكرِ، وعن النفوسِ والقلوب، بل يدفعون إلى أنّ الذي يصلي ويؤم بالمسلمينَ عيسى عليه السلام ، فكم هو البغضُ عندهم للمهدي، ولجدِ المهدي، وللنبي الذي ينتمي إليه المهدي عليه الصلاة والسلام،
فأيّها التكفيريّون، أيّها النواصب، أيّها المارقة لا معنى لإنكارِ المهدي، ووجودِ وخروجِ المهدي في آخرِ الزمان، وانتماءِ المهدي لرسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلم ، وإنّه من ولد فاطمةَ عليها السلام.
أقول: والكلامُ لسماحةِ السيدِ الصرخي الحسني (دم ظله):وبعدَ ثبوتِ أحاديثِ المهدي عليه السلام وتواترِها حتى في عنوانِ المهدي، وبعدَ ثبوتِ اثباتِ التواترِ من علماء الأمّةِ وعقلائها، فإنّنا نجدُ الغرابةَ في إعراضِ البخاري عنها بالرغم من أنّ العديدَ منها صحيحةٌ حتى على شرطِ البخاري!!! وبحسب ما قِمتُ به من بحثٍ لم أجد أيَّ حديثٍ في البخاري يتضمّنُ عنوانَ المهدي وكذلك لم أجدْ في مسلم أيَّ حديثٍ يتضمّنُ عنوانَ المهدي لكن وجدتُ في بعضِ من نَقلَ عن مسلم أنّه ذكرَ حديثًا واحدًا يذكرُ عنوانَ المهدي ، أمّا ابنُ كثير فقد وقعَ في حيرةٍ من أمره، فلم يقدرُ على إنكارِ ذلك كليًّا فالتجأ إلى التفسيرِ والتأويلِ القادحِ الجارحِ المنتقصِ من المهدي عليه السلام!!! فعند ذكرِهِ الروايةَ الواردةَ عن أميرِ المؤمنين عليه السلام التي رواها الألباني في صحيحِ الجامعِ الصغير، قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم: المهدي منّا أهل البيت يصلحُهُ اللهُ في ليلة.( التفت جيدًا ماذا يقولُ ابنُ كثير عن هذا
قال: أن يتوبَ عليه ويوفقَهُ ويلهمَهُ ويرشدَهُ بعد أنْ لم يكن كذلك. (بعد أنْ لم يكن كذلك!!! ) المصدر/ البداية والنهاية/ الفتن والملاحم
علق (دام عزه ) مستشهداً بقول سماحةِ السيدِ الصرخي الحسني (دم ظله):
ومن هنا نتعلمُ ونتيقّنُ سلوكَ التكفيرينَ المارقةِ في معارضةِ ومخالفةِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي الأعراضِ الكلي والبغضِ الشديدِ للمهدي ولكل ما يرتبطُ بالرسولِ الكريم عليه وعلى آله الصلاة والتسليم، حتى في عنوانِ المهدي بغضًا بالرسولِ الكريم وحفيدهِ المهدي بن الزهراء بضعةِ الرسول وزوجِ أميرِ المؤمنين علي عليهم الصلاة والتسليم، ومن هنا تعرف السببَ الذي من أجلهِ طعنوا بكتبِ الأحاديثِ بالمباشر وبالتعريضِ وحتى كتبِ الصحاح إلّا كتبَ البخاري ثم مسلم، فلقد أشاعوا لصحيحِ البخاري ورفعوه منزلةً تفوقُ القرآنَ وكفروا كلَّ من يناقشُهُ ويُثبتُ الخطأ به، فاتهموهم بالتشيّعِ والرفضِ المستلزمِ عندهم للنفاقِ والشركِ والارتدادِ المستلزمِ للقتلِ وإباحةِ الدم والعرضِ والمال
وفي نهاية الخطبتين دعا الشيخ المالكي الله تعالى ان يجعلنا من الَّذِينَ اهْتَدَوْا لمعرفة إمام الحق والإقتداء به وبأهلِ بيتهِ الاطهار، وان يحفظ العراقَ وشعبَ العراق وينصرنا على دواعش الفكرِ والارهابِ التكفيرين وان يرحم شهداءَ العراق كافة ويسكنهم فسيحَ جنانه امين يارب العالمين
ركعتا صلاة الجمعة