المركز الإعلامي – إعلام قلعة سكر
أقيمت صلاة الجمعة المباركة بإمامة الشيخ ثامر الشويلي (دام عزه) في مسجد وحسينية الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في مدينة قلعة سكر يوم الجمعة بتاريخ 20 من شهر صفر الحزن لسنة 1439 هجرية الموافق 10/ من شهر تشرين الثاني2017 ميلادية.
قم جدد الحزن في العشرين من صفر.. ففيـــــــه ردت رؤوس الآل للحفر
يا زائري بقعة أطفالهم ذبحــــــــــت.. فيها خذوا تربها كحلاً إلى البصــــر
وا لهفتا لبنات الطهر حين رنــــــــت… إلى مصارع قتلاهن والحفـــــــــــــر
رمين بالنفس من فوق النياق …علـــى تلك القبور بصوت هائل ذعـــــــــر
وابكوه يلثم أطفالاً ويرشفــــــــــها… مودعاً ودموع العين كالمـــــــــــــــطر
وتلك تصرخ واجداه وأبتـــــــــــــاه … وتلك تصرخ وايتماه في الصـــــــغر
اعظم الله أجوركم بذكرى اربعينية سيد الاحرار وشفيع الابرار المقتول قهرا على ايدي الفجار الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته واصحابه الكرام
الخطبة الأولى:
إذا كان يوم الأربعين من النواميس المتعارفة للاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوماً، فكيف نفهم هذا المعنى عندما يتجلى في موضوع كالحسين(عليه السلام) الذي بكته السماء أربعين صباحاً بالدم، والأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة. لذا فإن إقامة المآتم عند قبره الشريف في الأربعين من كل سنة هي إحياء لنهضته وتعريف بالقساوة التي ارتكبها الأمويون ولفيفهم، ولهذا ت عادة الشيعة على تجديد العهد بتلكم الأحوال يوم الأربعين من كل سنة ولعل رواية أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً تطلع حمراء وتغرب حمراء تلميحٌ إلى هذه الممارسة المألوفة بين الناس، وحديث- الإمام الحسن العسكري(عليه السلام): الذي يتضمن معنى ان علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتختم باليمين وتعفير الجبين- يرشدنا إلى تلك الممارسة المألوفة بين الناس حيث أن تأبين سيد الشهداء في هذا اليوم إنما يكون ممن يمتّ له بالولاء والمشايعة ولا ريب في أن الذين يمتون له بالمشايعة هم المؤمنون المعترفون بإمامته؛ ولأننا كذلك ان شاء الله تعالى فالواجب الشرعي والأخلاقي والإنساني والتاريخي يلزمنا إثبات أن الإمام الحسين(عليه السلام) وثورته وتضحيته ليست فقط لطم وبكاء ونحيب مع لبس سواد، بل هو عظة وعِبرة وأُسوة ومدرسة وثورة وتضحية وإيثار وقول الصدق والحق والثبات على المبادئ ونصرة المظلوم والإصلاح في الأمة وإثبات وإعلان التوحيد وتجسيد حقيقة البراءة والكفر بالجبت والطاغوت واللات والعزى والهوى والشيطان والنفس والدنيا، فأن تجديد ذكرى أربعينية هذا الكريم السخي الإمام الحسين(عليه السلام) إنما هو تجديد العهد والوفاء والعرفان له ولدمه المهدور على ارض كربلاء, ولأهل بيته الاطهار وصحبه الاخيار, ولمقام النبي وابنته الزهراء, ومواساة الإمام الغائب(عجل الله فرجه) بلوعته عليه, وبهذا يتحقق الأثر من هذه الزيارة وهو تأصل صفة الاخلاص لاهل البيت الاطهار(عليهم السلام) وان المسير وقطع المسافات الى ارض كربلاء, ما هو الا نداء صامت, وفعل ذات صرخة تدوي في الضمير العالمي بان هناك ظلم وقع لكن مَحَقَهُ الحق, ليتبين للجميع ان الحق ابلج والظلم لجج, , فلنستفد أيها الأخوة والأخوات من زيارة الاربعين المباركة ولنحدد الهدف ونحن نسير الى هذه البقعة المباركة ما هي الغاية من كل خطوة اخطيها اليك يا ابا الاحرار , ومن الاهداف المهمة التي يجب ان تتجلى بها الجماهير الوافدة الى قبر ابن بنت رسول الله(صلوات الله عليهما) هو: 1- ان تكون النهضة الحسينية واعز ذو انعكاس يخلق روح المقاومة ضد الطغاة, بأحياء هدف الامام الحسين من خروجه الى كربلاء وهو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, بعدما استأصله يزيد واعوانه لعنه الله, اذن يجب ان نّفعل هذا الهدف في ذواتنا ونجعله نابضاُ بالحياة دوماً, وأن يتمثل ذلك في اقوالنا وافعالنا ونحن نسير الى من احيا هذا الهدف بدمه المبارك واهل بيته الاطهار وصحبه الاخيار, فلتكون خطواتنا الاولى نحو الزيارة خطوة الاصلاح والنصح, والموعظة والحكمة الحسنة, ونؤثر في سلوكياتنا الحسنة في الاخرين, وكما قال سماحة المرجع الديني السيد الصرخي الحسني دام ظله .. في بيان 69 محطات في مسير كربلاء: لنجعل الشعائر الحسينية شعائر إلهية رسالية نثبت فيها ومنها وعليها صدقاً وعدلاً الحب والولاء والطاعة والامتثال والانقياد للحسين (عليه السلام) ورسالته ورسالة جدّه الصادق الامين(عليه وعلى آله الصلاة والسلام) في تحقيق السير السليم الصحيح الصالح في ايجاد الصلاح والاصلاح ونزول رحمة الله ونعمه على العباد ما داموا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينالهم رضا الله وخيره في الدنيا ودار القرار. 2- علينا ان نعي حقيقة الهدف والغاية التي جاهد من اجلها الائمة سلام الله عليهم وهي دعوة الحق والانتصار لها في كل مجال وفي كل مظنة ومن هذه المجالات هي الزيارة المليونية الاربعينية فعلينا ان نكون دعاة الى الحق والى تنوير الزائرين بنور الهداية والايمان وتوجيههم الى طريق الاستقامة باتباع من هو احق بالاتباع باتباع من يمثل حسين العصر باتباع من يصحح اعمالنا وافعالنا باتباع المنجي والمنقذ من الفتن والضلالات، فلا ننتظر ان ياتي توجيه او امر او ارشاد لهداية خمسة او عشرة فان هداية الناس بالموعظة الحسنة لا تحتاج الى امر او توجيه فان هذا المفروض اصبح من البديهيات في اذهاننا… 3- واما الاخوات الزائرات اللائي كانت وتكون السيدة زينب (عليها السلام) قدوة لهن وجئن لتعزيتها ان يتخذن حجاب السيدة زينب منارا لهن, ويتزودن من عفتها وصلابتها, وليعرفن ان هدف خروجها مع اخيها الحسين (عليه السلام) انما هو الحفاظ على ارث هذه المعركة واحداثها ونقلها الى الاخرين وتوعية الغافلين بان دين محمد لم يستقم الا بسيوف ارتوت من دمائهم الطاهرة, فكانت السيدة عقيلة الطالبين لها خطب هزت الضمير الانساني, مع بقية نساء بيت الوحي, فأن الاقتداء والتشبه بهذه النسوة العظيمات انما هو رفعة وعز لكل امرأة, فليكن طريق ( يا حسين ) مدرسة للوعظ والتذكير والارشاد بمنهج السيدة زينب وامها الزهراء (صلوات الله عليهما), وبأبسط العبارات واجملها وقعا بالقلب, ولا يخفى على بال احد كيف حافظت عقيلة الطالبين على النساء والاطفال على طول طريق السبي ولم يغادر عينها احد الا افتقدته حتى رجعت بهم الى ارض الوطن سالمين الابدان مقروحين الاجفان ذبحت ارواحهم لتحتضر في اجسادهم من شدة لوعة المصاب, لكن الطابع العام ردت هذه الامانة سالمة كما اوصاها اخوها(عليه السلام), فيا اختي الفاضلة الزائرة لأرض كربلاء حافظي على حجابك وعائلتك واطفالك ومن كان معك من اخواتك في طريق صحبتك لتنتهي مراسيم الزيارة وأنت مرفوعة الراس بنجاحها ولا اخفاق فيها وبجزيل الاجر والثواب
. أيها الأخيار الأنصار ايتها الزينبيات الناصرات
: إن الإنتصار للحق والدعوة إليه والجد والإجتهاد والمثابرة في سبيل إعلاء كلمة العلم وخفض وتقليل بقعة الجهل, واجبٌ يستشعرهُ المؤمن ويوجبه على ذاته من ذاته من خلال إستقراءهُ لسيرة المعصومين(عليهم السلام) وأن الدعوة الصامتة للحق لا تحتاج الى فتيا بالإلزام أو بيان واستبيان بالحث والتحفيز, بقدر ما تحتاج إلى أن يبدأ المؤمن بالإحساس بالمسؤولية وينطلق للدعوة بالوسائل الممكنة والمتاحة دون قدح وجرح للآخر ما يسبب نفورهُ وتباعده عن سماع هدير الحق ليملئ نفسه بالأيمان والنور طارداً النفاق والظلام والظلال، وحيث أنكم إذ تمتلكون الأدلة المتينة والإثباتات الرصينة على صدق دعواكم وأحقيتها من جهة وإذ تدركون أن ايام الزيارة الأربعينية هذه حاشدٌ بالناس, وإذ أنكم تقطعون أن ما عندكم من فكر ومعتقد يروي الضمآن ويشبع الجائع ويكسو العريان بما يتضمنه في محتواه من روح وعلم وفكر وأخلاق, وإذ تعلمون ذلك علماً جلياً فيمكن أن تستثمر هذه الايام وكل الايام بالدعوة الصامتة لقضيتكم المباركة شريطة أن يكون أسلوبها سلساً يتفهم الآخر ويحافظ على ضوابط الحوارات وسياقات النقاش العلمي والأخلاقي دونما قدح وجرح لمشاعر الآخر وزعاماته التي يعتقد بأحقيتها, وبإمكاننا جميعاً أن نستفيد من سيرة المعصومين ونجعلها غطاءاً شرعياً لعملنا هذا حيث كانوا(سلام الله عليهم) يستثمرون مواسم تجمع الناس في الحج ويسقونهم غدق الحياة ويرونهم براقة الدين الأصيل ويكشفوا لهم كذب ونفاق من كان يعتدي عليهم ويلبسهم صورة وحشية وتسقيطية (حاشاهم وسلام الله عليهم). فذاك الرسول الأقدس الأعظم يبلغ برسالة الدعوة ويأتمن الأمة على حافظها وركنها الوثيق وخليفته من بعده(صلوات الله عليهم) وذلك بخطبته الميمونة بغدير خم . وذاك الامام السجاد(عليه السلام) يقف في سوق القصابين ليستعرض ظلامات سيد الشهداء الحسين( عليه السلام) ليثير عاطفة الناس ويكشف زيف وخداع وتظليل أئمة الظلال والإظلال القائمين عل قمة الهرم السياسي والديني آنذاك, كما فعلت ذات الفعل سيدة النساء فاطمة الزهراء( عليها السلام) إذ كانت تختار طريق المارة لتبكي أباها رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع أنه كان بإمكانها أن تبكي في مكان ناءٍ بعيداً عن ضجيج الناس وصخب الحياة, فإذا كان الغرض من بكائها هو البكاء وتفريغ هموم النفس فلماذا هذا الإلحاح منها ومن الأمير علي (عليهما السلام) حين يباشر ببناء بيت الأحزان لها إنجاحاً لمشروعها الدعوتي الصامت هذا وتأييداً لمضامين المشروع الهادفة الى إيصال الحقيقة وقض مضاجع الظلاميين الغاصبين من خلال تأليب الرأي العام والتحكم به ضدهم . نسأل الله تعالى أن يعيننا على انفسنا لتخليصها من الشرور والأمراض وألآفات حتى نصطحبها في رحلة الوعظ والدعوة لنفرغ ما في ذممنا من كسل وسآمة وفشل فيغفر الله لنا ذلك أنه نعم المولى الغفور …
الخطبة الثانية
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وأحمده حمدا كثير وأثني عليه ثناءً جميلا والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين وعجل فرج آل بيت محمد يا رب العالمين …
اللّهُمَّ َصَلِّ عَلى محمد المصطفى وعَلِيٍّ المرتضى وفِاطِمَةَ الزهراء، وَصَلِّ اللهم عَلى سِبْطَي الرَّحْمَةِ وَإِمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ ، وَصَلِّ اللّهُمَّ عَلى أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ (السجاد والباقر) و(الصادق والكاظم) و(الرضا والجواد) و(الهادي والعسكري) وَ(الخَلَفِ الهادِي المَهْدِي)، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ فِي بِلادِكِ صَلاةً كَثِيرَةً دائِمَة يغبطهم بها الأولون والآخرون …
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وتابع بيننا وبينهم بالحسنات انك مجيب الدعوات قاضي الحاجات …
دمٌ ودموعٌ، وألمٌ يفت الضلوع ، وسموٌ وعلاء ، وعزةٌ وآباء تلك هي ذكرى عاشوراء استشهاد الإمام الحسين “عليه السلام ” أبي الشهداء ، فما اجتمعَ الألمُ والبلوى والعزةُ الطولى، كما اجتمعا في هذه الذكرى . ذكرى إراقة تلك الدماءِ الطاهرةِ التي ما ارتوت الأرض بأطهر منها، والعزة بذلك الشمم العالي الذي ما شهد التاريخ مثله، وأنهما لمزيجٌ مقدس، تطهرُ به الأرواحُ وتُزكّى وتسمو به الإنسانيةُ إلى السماواتِ العلى. فتنطوي الصفحاتُ وتدور رحى القرون وتندرجُ الأيام لتُسجلَ على جبين التأريخ مواقفَ هزت ضميرَهُ وترسختْ في ثناياه, فلا يمكنُهُ نُكرانُها بالتناسي أو جحودُها بالتغاضي, فهل يجرؤ التأريخُ أن يشطبَ على ثورة الحسين الضميريةَ المتجذرةَ في عمقِ الرؤيةِ الكونيةِ وأحشاءِ القلوبِ الإيمانية؟ كذِبَ الموتُ فالحسينُ مخلدٌ … كلما مرَّ الزمانُ ذِكرهُ يتجددُ
إذ إن ثورةَ الحسين”عليه السلام” لم تكن ثورةً يحكمُها عاملُ الزمنِ أو يتدخلُ في كينونتها عنصرُ الوقت، بل كانت ثورةَ امتدادٍ وحيويةً نابضةً بقلب الضميرِ البشري لتشبعَهُ روحاً رافضةً وثورةً مستديمةً ضد الباطل والانحرافِ والظلمِ والفسادِ والنفاقِ والانحلالِ فهي ثورةُ إنسان على كلِ ما يُعيقُ حركتَهُ ويسعى لسلبِ إنسانيتهِ وحقوقهِ وكراماته، ولذا كان من الضروري، امتدادُ هذه الثورةِ مادامت الدنيا باقية، ومادام يتقابلُ جيشا الحقِ والباطل والهدايةِ والضلالة، فنجدُ مفهومَ الثورةِ الحسينية عميقا بعمقِ الغايةِ وجليلِ الهدف الذي انطلقَ الحسينُ “عليه السلام ” منه وراحَ يُضحي بالغالي والنفيس من أجلِ تحقيقِه وعلى ضوءِ ذلك لا يمكنُ أن يفهمَ معنى الأيمانِ بثورة الحسين”عليه السلام ” إلا من حيثُ امتلاءُ النفوسِ بروحِ العزةِ والإباءِ والشموخِ والكرامةِ والكبرياء والتصاقُها بمفهوم الحميةِ والانتصارِ على أهواءِ النفسِ ومغرياتِ الشيطانِ وخلعِ ثوبِ المذلةِ وإيثارِ مصارعِ الكرامِ على إطاعةِ اللئام وهذا ما نستوحيه من قوله “عليه السلام “: ( ألا وإن الدعي ابنَ الدعي قد ركزَ بين اثنتين بين السلةِ والذلةِ وهيهات منّا الذلّة يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُهُ والمؤمنون, وجدود طابت وحجور طهرت, وأنوفٌ حمية, ونفوسٌ أبية, على أن نؤثرَ طاعةَ اللئامِ على مصارعِ الكرام ) .
فكانت هذه الكلماتُ ولا زالت وستبقى الخطرَ الاكبرَ الذي يُرعبُ الطواغيتَ في كلِ العصور ويقضُّ مضاجعَهم لأنَّ منبعَ هذه الكلماتِ وأساسَها هو تجسيدُ كرامةِ الانسان في الارضِ وإقامةُ العدلِ والانصافِ من الطغاةِ والمتجبرين وإرساءُ مبادئ الدينِ الاسلامي الحنيفِ والإنسانيةِ الرساليةِ الحقة, وقد أوضحَ الامامُ الحسين “عليه السلام ” أهدافَ ثورتهِ المباركةِ عندما قال: ( اني لم أخرجَ اشرا ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي(صلى الله عليه وآله (اريد ان أمرَ بالمعروفِ وانهى عن المنكر) فجاءت ثورتهُ “عليه السلام ” مصداقاً لقولِ رسولِ الله ” صلى الله عليه وآله ” : (أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍ بوجهِ سلطانٍ جائر) .
وكان من الطبيعي أن يسعى حكامُ الجورِ والضلالِ جاهدينَ لطمس كلِ أثرٍ يمتُ بصلة لها وفي كلِ محاولةٍ، كان ذلك الصوتُ الهادرُ يزدادُ رسوخاً في قلوبِ الجماهيرِ ويهددُ عروشَ الطغاةِ بشعار(هيهات منا الذلة) وليت هذا الشعارَ يخرجُ من بوتقةِ الألسنِ والصيحاتِ الى واقعٍ عملي يُرسِّخُ مفهومَ العزةِ والكرامةِ والمنعةِ الذاتيةِ ليرسلَ رسالةَ رفضٍ وإباءٍ وشجبٍ واستنكارٍ لكلِ أوجه الظلامِ ولجميعِ أئمةِ الكفرِ وقادةِ الظلمِ وسادةِ الفسادِ الذين عاثوا في أرضِ اللهِ فساداً واهلكوا الحرثَ والنسلَ وخرّبوا البلادَ وأهانوا العبادَ أن ربكَ لهم بالمرصاد. أيها الأخوةُ والأخوات: إن التأييدَ أو السكوتَ والرضا بالظلم والفساد ليس له معنىً غيرُ الابتعادِ عن نهجِ الحسين “عليه السلام ” واستبدالِ شعارِه الرائدِ هيهات منا الذلة بشعارٍ آخرَ وهو هيهاتَ منا العزةُ وهيهاتَ منا الكرامةُ وهيهات منا رفضُ الذلة, وهذا أخطرُ ما يجبُ توخي الحذرُ منه وتحصينُ النفسِ والفكرِ من شرورهِ وآثارهِ التي تبني أنسانا خانعا وراضخا غيرَ ذلكَ الإنسان الذي خططت ثورةُ الحسينِ لصناعتهِ من خلالِ خلقِ روحِ الوعي والتضحيةِ والفداءِ في باطنهِ وفكرهِ وسلوكهِ ليترجمَ ويجسدَ تلكم المعاني في رفضهِ الظلم، وقد أشارَ لهذا المعنى سماحةُ المرجع الديني السيد الصرخي الحسني(دام ظله) في بيانه التاسعِ والستين محطاتٌ في مسيرِ كربلاء حيث قال : ولنكن صادقينَ في حبِّ الحسين وجدِّهِ الأمين ((عليهما وآلهما الصلاة والسلام والتكريم)) بالإتباعِ والعملِ وفقَ وطبقَ الغايةِ والهدفِ الذي خرج لتحقيقهِ الحسينُ(عليه السلام) وضحّى من أجلهِ بصحبهِ وعيالهِ ونفسه، انه الإصلاحُ،الإصلاحُ في امةِ جدِّ الحسين الرسول الكريم(عليه وآله الصلاة والسلام.) وهنا لابدَّ من أن نتوجهً لأنفسنا بالسؤال، هل أننا جعلنا الشعائرَ الحسينيةَ المواكبَ والمجالسَ والمحاضراتِ واللطمَ والزنجيلَ والتطبيرَ والمشيَ والمسيرَ الى كربلاءَ والمقدساتِ هل جعلنا ذلك ومارسناه وطبقناه على نحوِ العادةِ والعادةِ فقط وليس لأنه عبادةٌ وتعظيمٌ لشعائرِ اللهِ تعالى وتحصينُ الفكرِ والنفسِ من الانحرافِ والوقوعِ في الفسادِ والإفسادِ فلا نكونُ في إصلاحٍ ولا من أهلِ الصلاحِ والإصلاح، فلا نكونُ مع الحسينِ الشهيدِ ولا مع جدّهِ الصادقِ الأمين(عليهما الصلاة والسلام(. إذن لِنجعلِ الشعائرَ الحسينيةَ شعائرَ إلهيةً رساليةً نثبتَ فيها ومنها وعليها صدقاً وعدلاً الحبَ والولاءَ والطاعةَ والامتثالَ والانقيادَ للحسين(عليه السلام) ورسالتهِ ورسالةِ جدّهِ الصادق الأمين(عليه وعلى آله الصلاة والسلام) في تحقيقِ السيرِ السليم الصحيح الصالح في إيجادِ الصلاحِ والإصلاحِ ونزولِ رحمةِ اللهِ ونعمهِ على العباد ما داموا في الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر فينالهم رضا اللهِ وخيرُهُ في الدنيا ودارِ القرار. انتهى كلام المولى الصرخي الحسني (دام ظله).
أيها الأخوة والأخوات: من الغريب نرى ان من غيرِ المسلمينَ من تأثرَ بالحسين عليه السلام تأثرا يُترجمُ الى أعمالٍ وسلوكٍ لشخصياتٍ شهدت بمكارمِ الثورةِ الحسينيةِ كالفيلسوف الإنكليزي وليم لوف تست الذي قال: (لقد قدّمَ الحسينُ بن علي أبلغَ شهادةٍ في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذّة)، وهذا المستشرق الأميركي كوستاف كان يقول: (لقد أثرتِ الصورةُ المحزنةُ لمقتل الحسين الرجلِ النبيلِ الشجاعِ في المسلمين تأثيرا لم تبلغه أيةُ شخصيةٍ مسلمة)، والباحثُ الإنكليزي جون آرثر يقول: (إن مأساةَ الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهادِ في سبيل العدلِ الاجتماعي)، وقال محررُ الهند المهاتما غاندي: (تعلمتُ من الحسين كيف أكونُ مظلوماً فأنتصر)، والمؤسفُ المؤلمُ أن فلاسفةً ومفكرينَ وقادةً وزعماءَ مستشرقينَ وغربيينَ استفادوا من الحسين وتعاليمهِ ودستورهِ الذي أختطه بالتضحياتِ الكبرى وقد صرّحوا بتلكم الاستيحاءاتِ والثمارِ التي اقتطفوها من الحسين(عليه السلام) وثورته وسوادُ المسلمينَ الأعظم وقادتُهم وزعماؤهم لم تنتهلْ من مشربِ أبي الضيم ولم تغتسلْ في بحرهِ المتلاطمِ لأنها أضلتِ الطريقَ بالتسويف والغفلةِ تارةً وبالتأثرِ بالعولمةِ والغزو الفكري والحضاري تارةً أخرى, فنجدُ أن كثيراً من الأسسِ الاجتماعيةِ والعاداتِ والسننِ والشرائعِ تبدلت ورحلَ المسلمونَ فيها بعيداً عن شريعتِهم الأم ودينِهم الحنيفِ فإنا لله وإنا إليه راجعون .