المركز الإعلامي _ إعلام القاسم
أكد الشيخ نصير العويدي ….( دام عزه ) خطيب الجمعة المباركة في مسجد وحسينية البصائر في مدينة القاسم المقدسة جنوب محافظة بابل ،
اليوم 21 من شهر رجب الأصب 1440هـجرية الموافق 29 أذار 2019 ميلادية
إنّ الإنسان بحكم تبعيته للشريعة ووجوب امتثاله لأحكامها، ملزمٌ بتحديد موقفه العمليّ منها. وعندما لم تكن أحكام الشريعة في الغالب واضحةً بنحوٍ تغني فيه عن إقامة الدليل، فلا يعقل أن يحجر على الناس جميعاً تحديد الموقف العمليّ تجاه الشريعة تحديداً استدلاليّاً، فعملية استنباط الحكم الشرعيّ لتحديد الموقف العمليّ للمكلّف ليست عمليّةً جائزةً فحسب، بل هي ضروريّةٌ وينبغي ممارستها، وذلك بحكم تبعيّة الإنسان للشريعة.
ولكن اكتسبت هذه العمليّة صيغةً أخرى لا تخلو عن غموضٍ، فاستخدمت كلمة (الاجتهاد) للتعبير عن عمليّة الاستنباط، وطرح السؤال بهذه الصيغة: “هل يجوز الاجتهاد في الشريعة أو لا؟” فدخلت كلمة الاجتهاد في السؤال- وهي كلمةٌ مرّت بمصطلحاتٍ عديدةٍ في تاريخها- وأدّى ذلك إلى أن يتحمّل هذا السؤال المعاني والمصطلحات السابقة لهذه الكلمة. ونتيجة الفهم الخاطئ لبعض مصطلحاتها، والغفلة عن تطوّر الاصطلاح، رفض جماعةٌ من علمائنا المحدثين عمليّة الاجتهاد، وشجبوا علم الأصول كلّه، لأنّه إنما يراد لأجل الاجتهاد، فإذا ألغي الاجتهاد لم يعد هناك أيّ حاجةٍ إلى علم الأصول.
وما ورد من أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بعض أصحابه أن يجتهدوا إذا لم يجدوا الحكم في الكتاب أو السنّة، بل يقولون إن بعض أحكام النبيّ نفسها اجتهاديّة لم تستند إلى وحيٍ، ثم جاء في كتبهم الأصوليّة التساؤل عمّا إذا كان في اجتهادات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما يجوز فيه الخطأ أم لا ؟
فالفقيه عندما لا يجد نصّاً شرعيّاً من القرآن أو السنّة يعتمد عليه، يرجع إلى تفكيره الخاصّ، فيبني على ما يرجح في فكره الشخصيّ من تشريعٍ، وقد يعبّر عنه بالرأي أيضاً.فالاجتهاد بهذا المعنى يعتبر دليلاً من أدلّة الفقيه، ومصدراً ثالثاً من مصادره.
وقد نادت بهذا المعنى للاجتهاد مدارس كبيرةٌ في الفقه السنيّ، على رأسها مدرسة أبي حنيفة.وقد واجه هذا الاتجاه وهذا المعنى للاجتهاد معارضةً شديدةً من أئمة أهل البيت عليهم السلام. والروايات الواردة عنهم عليهم السلام والتي تذمّ الاجتهاد، تريد هذا المعنى، وهو التفكير الشخصيّ الذي يكون مصدراً من مصادر الحكم، وكذلك الحال بالنسبة للفقهاء المنتسبين لمدرستهم عليهم السلام، فقد شنّوا حملةً كبيرةً وصنّفوا كتباً في الردّ على الاجتهاد بهذا المعنى كالشيخ الطوسيّ مثلاً .