المركز الإعلامي – إعلام الحيانية
أقيمت صلاة الجمعة المباركة في مسجد الإمامِ صاحب الزمان -عليه السلام- بإمامة الشيخ مسلم الحريشاوي -دام عزه- وذلك يوم الجمعة 14/ 12/ 2018 م الموافق السادس من ربيع الثاني الجاري من عام 1440هجري،وتحدث الحريشاوي في الخطبة الاولى حول السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، مبيناً “هذه المرأة العظيمة. ونحن نلتقي في ذكرى استشهادها على رواية ، أحبُّ أن أشير إلى عدّة لقطات في حياتها(عليها السلام)، في عملية مقارنة بينها وبين مريـم بنت عمران ولكن ليس من ناحية التفضيل، لأنَّ ذلك ليس من شأن البحث الّذي يريد أن يركّز على حركة الواقع، بل هو أمرٌ يرجع فيه إلى اللّه، وقد وردت عدّة أحاديث في هذا الجانب. وبعبارة أخرى، أريد أن أركّز على دراسة شخصيّة الزهراء مقارنة بشخصيّة السيِّدة مريـم” واضاف “عندما نقرأ حديث القرآن الكريـم عن السيِّدة مريـم فإنَّنا نجد أنَّ اللّه اصطفاها وطهّرها واصطفاها على نساء العالمين، حيثُ جعلها أمّاً لعيسى وآيةً من آيات اللّه في ولادتها لعيسى من غير أب، وأنَّ الله سبحانه وتعالى {أَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} وهكذا، عاشت التجربة الصعبة، ورعاها اللّه رعاية مباشرة، حيثُ استطاعت أن تقبل على قومها لتثبت أنَّها الطاهرة العفيفة التي لا غُبار على أخلاقيتها وعفّتها، من خلال ما ألهم اللّه ولدها عيسى {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} وبخصوص السموّ الرّوحيّ عند الزّهراء فإذا جئنا إلى سيِّدتنـا فاطمة الزّهراء، فإنَّنا نـجد أنَّها لا تختلف عن السيِّدة مريـم في هذا السموّ الروحي الّذي كانت تعيشه مع اللّه، فكانت تقوم اللّيل حتّى تتورّم قدماها، كما يتحدّث ولدها الإمام الحسن(عليه السلام)، وكانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات قبل أن تدعو لنفسها، وعاشت حياتها مع اللّه، كما عاشت مع رسول اللّه ووليّه، اللّذين تميّزا عن المجتمع من حولهما كما جاء في الآية الكريمة: {إِنَّما يُريدُ اللّهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً} فكما طهّر اللّه مريـم {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ} فإنَّه طهّر فاطمة إلى جانب أبيها وبعلها وبنيها. وكما أنَّ اللّه اصطفـى مريـم اصطفـاءً، لتكون موقعاً لآيتـه، وهي ولادة عيسى(عليه السلام)، فإنَّ اللّه سبحانه وتعالـى اصطفى السيِّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) على لسان نبيّه، لتكون سيِّدة نساء العالمين، فهناك حديثٌ يقول إنَّها: “سيِّدة نساء أهل الجنّة”، بمعنى أنَّ كلّ النساء اللّواتي يدخلن الجنّة، ستكون الزهراء سيِّدتهن”.
وفي الخطبة الثانية اكمل الحريشاوي الحديث حول الزهراء (عليها السلام) موضحاً “دخلت المدينة مع رسول اللّـه (صلى الله عليه واله وسلم) ومع علـيّ(عليه السلام)، وكانت مع عليّ تعيش في بيت رسول اللّه ، فلم يكن لعليّ بيـتٌ غير بيـت النبيّ(صلى الله عليه واله وسلم)، وتزوّجت عليّاً، وبدأت معاناتها في الجهد الّذي كانت تبذله مع أولادها، في الفقر الّذي كان يطبق على هذا البيت المبارك، وكانت تُمارس أعمال البيت بنفسها، حتّى إنَّها تقاسمت مسؤوليّات البيت مع عليّ، فكان عليها أن تطحن وتعجـن وتخبـز، وكان على عليّ أن يستقي ويحتطب ويكنس البيت، فمن منكم مستعدّ لأن يكنس بيته أو يُعاون أهله في الشؤون المنـزليّة؟ حتّى إنَّهما ذهبا إلى رسول اللّه ليطلبا خادماً لها، فعلّمهما رسول اللّه تسبيح الزهراء، وكأنَّه أراد لهما الرّاحة الروحيّة التي تستوعب التعب الجسدي وتمتصه، وكانت الزّهراء في حياة رسول اللّه تبذل جهد الدّعوة والتربية، وكانت تستقبل نساء المسلمين، لتحدّثهم عمّا تعلّمته من رسول اللّه وما ألهمها اللّه إيّاه، وبذلك، كانت حياتها حياة متحرّكة، بحيث كانت توزّع جهودها بين أبيها الّذي كان بيتها قاعدةً له، وزوجها الذي كان ينطلق بين وقتٍ وآخر إلى الحرب، ليعود وهو يحمل وسام الانتصار، وأبنائها الّذين ربّتهم تربية رائعة، والمجتمع المسلم الذي كانت ترعاه في شقّه النسوي، لأنَّ الزّهراء كانت تحمل علم رسول اللّه في وجدانها، وكانت تتحسّس مسؤوليّتها عن هذا العلم، حتّى إنَّ أبا جعفر بن جليل الطبري في كتابه (دلائل الإمامة)، ذكر أنَّ جاريتها أو خادمتها أضاعت بعض أوراقها، فقالت لها: “اطلبيها، فإنَّها تعدل عندي حسناً وحسيناً”، ما يوحي بمزيد الاهتمام بالعلم الّذي أخذته عن رسول اللّه”، وتابع “ولا بُدَّ من الإشارة إلـى أنَّ العلاقة بين فاطمة (عليها السلام) ورسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) كانت أكثر من علاقة ابنة بأب، فقد نقل لنا تاريخ سيرتـها، أنَّها كانت إذا دخلت على رسول اللّه، قام من مجلسه واستقبلها وقبّل يدها، وكان رسول اللّه إذا دخل عليها، استقبلته وقبّلت يده ، وهذا النوع من العلاقة قد لا يكون مألوفاً بين الأب وابنته، ولذا، فنحن نستوحي من ذلـك، أنَّ رسول اللّـه في الوقت الّذي كان يعيش حبّه للزّهراء، كان يحمل احترامه لها، لما يعرفه من ملكاتها الرّوحيّة، ومن ثروتها الثقافيّة، ومن إخلاصها للّه وللإسلام والمسلمين، ونعرف حركية هذه العلاقـة في روح الزهراء، وذلك عندما احتضر النبي فقد ضمّها إلى صدره، فبكت عندما أخبرها أنَّه سوف يُفارق الحياة قريباً، ثُمَّ ضمّها إلى صدره فضحكت، لأنَّه أخبرها أنَّها أوّل أهل بيته لحوقاً به. فتصوّروا امرأةً، أمّاً كانت أو زوجةً، يُخبرها أبوها بأنَّها ستموت في وقتٍ قريب وتلحق به، فإذا هي تشعر بالفرح والسرور، فأيّة علاقة هي هذه العلاقة بين الأب وابنته؟!”، وختم الخطيب حديثه بقوله “عندما نريد ـ أيُّها الأحبّة ـ أن نثير ذكرى السيِّدة الزّهراء، سواء في مولدها أو في وفاتها، فإنَّ العبرة من هذا الدّرس، هي أن تتحرّك المرأة المسلمة من أجل أن تكون المرأة التي ترتفع بروحانيّتها إلى اللّه، وتعبد اللّه، وتعيش إنسانيّتها بالتفكير في الآخرين قبل التفكير في نفسها، وتعيش ثقافة الإسلام وثقافة الواقع السياسي، وتتحرّك بحسب ظروفها لتدخل الواقع الإسلامي الذي يواجه التحدّيات، سواء كانت ثقافية لتقدّم ثقافتها في وجه هذه التحدّيات، أو اجتماعية لتقدّم خبرتها الاجتماعية في خطّ المواجهة، أو سياسية لتقدّم وعيها وثقافتها لمواجهة التحدّيات السياسية في ذلك، فالمرأة إنسان كما هو الرّجل”.