بيان رقم – 78 –
الصدران والخميني والنظرة الشمولية
سماحة المرجع السيد الصرخي (دام ظله)… السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
يطرح البعض شُبهة واتّهامات لبعض علماءنا الأعلام من أنَّ كلّاً منهم اهتمّ وركّز على شريحة معيَّنة دون الشرائح الأخرى من طبقات المجتمع، فمنهم من يقول أنّ السيد محمد صادق الصدر(قدس سره) اعتمد في مرجعيته على طبقة التجّار أو الشباب دون النظر إلى باقي الطبقات الأخرى، وأنَّ السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) قد ركّز أو اعتمد على طبقة الجامعييّن والمثقفين وأهمل الشرائح الإجتماعية الأخرى، وأنَّ السيد الخميني (قدس سره) قد اعتمد في خطابه على المجتمع جميعا وأوصل كلامه إلى كلّ شرائح المجتمع وخاطبهم بلغتهم، وعلى أساس ذلك نجح وفشل عمل كل من الشهيدين الصدرين (قدس سرهم).
فهل أنَّ فشل الثورة وعدم فشلها مرتبط بصورة وأخرى بالارتباط بشريحة معينة؟ يرجى بيان ذلك ولكم منّا جزيل الشكر.
السيد حسين الياسري
الجواب /
الصدران والخميني والنظرة الشمولية
بسمه تعالى:
الاستفهام عن الاختلاف بالِّلحاظ و النظر والتقييم والمنهج والعمل بين السادة المراجع الشهيد الصدر الأول والشهيد الثاني والسيد الخميني قدس الله أسرارهم، فإنّي كثيرا ما قرأت وسمعت عنه و أعتقد أنَّه راجع إلى الشُّبهة وعدم الدقّة في التقييم وعدم القراءة الموضوعية التامّة للوقائع والأحداث وأذكر بعض النقاط أرجو أنْ تكون مناسبة للجواب وموافِقة للواقع الموضوعي:
أولا: من الجانب النظري فإنَّ أيّ مصلح اجتماعي وخاصّة مرجعية الولاية الصالحة الهادية لا بدّ وأنْ تكون نظرتها عامّة واسعة شاملة لكل طبقات المجتمع وكل مستوياته الفكرية بل هذا ما يفرضه عليه الشرع أيضًا، ولا يَخفى عليك أنَّ الاستفتاءات وأجوبتها والرسائل العملية وما تتضمَّن مِن أحكام شرعية فهي شاملة لكل الشرائح الاجتماعية، وكذلك النهج والأدب والإرشاد والأمر القرآني شامل لكل الشرائع الاجتماعية، وهذا ما نجده متجسِّدا في سِيرة النبي الأكرم وآله الأطهار عليهم الصلاة و السلام أجمعين… فإذا كانت الأحكام الشرعية والإرشادات والأوامر الأخلاقية عامّة لجميع البشر بكلّ مستوياته الفكرية والمالية والاجتماعية فبالتأكيد إنَّ هذه الشريعة الإلهية السمحاء وقادتها العِظام عليهم الصلاة والسلام سيستقبلون و يتقبّلون ويرحّبون بكلّ من يهتدي ومن يسير بطريق الهداية ولو كان الاهتداء أو السير ظاهريّا، فلا فرق بين المتعلّم والجاهل، ولا بين الجامعي وغيره، ولا بين التاجر والموظّف والطالب وغيرهم، ولا بين الشباب وغيرهم، ولا بين الرجل والمرأة، ولا غير ذلك من فروض متصوَّرة، و إذا تقبّل الإسلام و النهج الإصلاحي وقائده المُصلِح كلّ مَن يهتدي فإنَّه بالتأكيد ووفق نهج الأمر والنهي والنصح والإصلاح سيثقّف ويعلّم و يُرشد كلّ مهتدي إلى النهج الرسالي في مشروع الإصلاح الإلهي فيكون الجميع سائراً في هذا المسير الرسالي المبارك، فإذا كان القادة المعصومون المُصلِحون عليهم السلام وكانت أساسات و قواعد و مبادئ الرسالة الإلهيّة على ما ذكرنا وكانت واضحة وجليّة في النظريّة والتطبيق فبكلّ تأكيد إنّ المُصلِح الرسالي وخاصة مرجع الولاية الصالحة سوف يلتفت لذلك ويستوعبه و يسير عليه ويلازمه في التطبيق، ومن هنا تتأكّد أنّه لا فرق في المنهج والسلوك بين مُصلِح وآخر لأنّّ منبع الفكر والتشريع واحد… هذا من الجانب النظري.
ثانيا: أمّا من الجانب العملي التطبيقي فإنَّك وأي متتبِّع للوقائع والأحداث من خلال المعايشة والمتابعة و المشاهدة الشخصية المباشرة أو بواسطة الثقات أو من خلال الاطّلاع على سيرة المُصلحين ونهجهم وتعاملهم وتفاعلهم مع المجتمع وأفراده باختلاف مستوياتهم الفكريّة والاجتماعيّة والماديّة وغيرها… و لنسأل أنفسنا مثلا أنّ المرجع الذي يُقال عنه أنّه ركّز واعتمد على طبقة التجّار(مثلا) فهل نجد فعلا ًعند الاستقراء أنّه اقتصر على هذه الطبقة واعتمد عليها بصورة كلية أو رئيسية وأهمل غيرها أو لم يركّز على غيرها من شرائح اجتماعية؟؟ و نفس السؤال يُطرَح بخصوص من يُقال أنّه ركّز واعتمد على طبقة الجامعييّن.. وأهمل غيرها من شرائح اجتماعية… وهكذا..؟؟
بالتأكيد فإنّ الجواب الواضح والقول الفصل هو أنّه لا يوجد مَن ركّز على شريحة واعتمد عليها وأهمل باقي الشرائح أو لم يُعْطِها التركيز و الاهتمام المناسب.. وواقع الحال و السيرة العمليّة للمُصلحين تُثبِت ذلك بوضوح.. إذن فالمُصلح يتوجّه في خطابه إلى جميع أفراد المجتمع بكل مستوياتهم.
ثالثا: أمّا ما نلاحظه من بروز وشياع لمجموعة معيّنة أو شريحة خاصّة في عصر مصلح ما وبروز وشياع غيرها في عصر مصلح آخر فإنْ تمّ ذلك الِّلحاظ و القول.. فإنّه لا يرجع إلى نفس المُصلِح ونهجه وسلوكه بل هو راجع إلى الظروف المحيطة في ذلك العصر وإلى نفس المجتمع وشرائحه وإلى نفس الأشخاص الذين اهتدوا وساروا في طريق الهداية والصلاح وكيفية سلوكه وعمله وتحرّكه ضمن شريحته الاجتماعية أو في غيرها أيضًا.. وبحسب درجة و مستوى إخلاص كل منهم وعزمه وهمّته واهتمامه والتزامه بما يصدر من مرجعه المصلح من أحكام وأوامر شرعيّة وأخلاقيّة واجتماعيّة.. و يُضاف إلى ذلك نفس المجتمع وكل شريحة من شرائحه بخصوصها ومدى تقبُّلها لأفكار ونظريات وإرشادات وأطروحات المصلح والذي يعتمد على عوامل عديدة منها مستواها الفكري العام وثقافتها الدينيّة وقوة إرادتها وشجاعتها وصبرها ونفوسها وقلوبها وصلابتها ونقائها ويقينها ودرجة الإيثار والتضحية في سبيل الآخرين ونصرة الدين وغيرها من عوامل يكون لها تأثير في تقبّل الفكر والتفاعل معه والعمل به، وهذه تختلف من شريحة اجتماعيّة إلى أخرى ومن طرف إلى آخر ومن عصر إلى آخر.
رابعًا: أودّ التنبيه إلى أمر مهم و هو أنّه من الخطأ الكبير أو الغفلة المستحكِمة أنّنا نقتصر في نظرنا وتقييمنا وحكمنا وقراءتنا للأحداث والوقائع على نتائج ظاهريّة تقع في الخارج و نقيس و نقيّم ونشخّص عمل المصلح ومدى صحّته و تماميّته من خلال من التحق به من أشخاص وكثرة عددهم أو قّلتهم، أو من خلال ما تحقّق له من سلطة ودولة في الخارج، أو من خلال تعامل السلطة الحاكمة معه من عَداء وتَضييق وتعتيم واعتقال وحبس أو موادّة وتعاون وتسهيل وعطايا وهدايا وتسخير إعلام للترويج له ولمرجعيته، فإنّّ مثل هذا التقييم والحكم والقراءة والإصرار عليه يعني الجهل والجرأة القبيحة على أولياء الله وأحبّائه من الأنبياء و الأئمّة المعصومين عليهم السلام حيث أنَّ الوحدة أو الفرد الأندر أو القلّة القليلة هي السائدة في حياتهم وسيرتهم ودعوتهم الرساليّة الإلهيّة وفيمن صدّقهم والتحق بهم وناصرهم من فرد أو أفراد من النادر والأندر.. فهل نكون جُهّالا ضالّين بالقول أنَّ التقصير كان في المصلح المعصوم (عليه السلام) لأنّه اعتمد على الشريحة الفلانيّة ولم يعتمد على غيرها وأنّه لم يحقّق العدد الكبير من الأتباع ولم يؤسّس الدولة لأنّه لم يكن تامّ النظرية ولم يكن موفَّق السلوك والتطبيق أو كان ناقص الفكر أو قاصر التشخيص.. أستغفر الله ربّي و أتوب إليه.
خامسًا: دون الدخول في تفصيلات أكثر لعدم الفائدة من طرحها في المقام أو لاحتمال الضرر في طرحها أو لوضوح بعضها، يمكن القول أنَّ المتحصِّل وباختصار: أنَّ الظروف الاجتماعيّة و الظروف السياسيّة للدولة والنظام الحاكم والظروف الدولية وتصارُع القوى الكبرى وتقاطُع مصالحها ونحوها وغيرها كلّها لها مدخليّة في ترتُّب ثمار ظاهرية في هذا المجتمع دون غيره، أو مع هذا المصلح دون غيره، أو في هذا الزمان دون غيره…
والله الموفِّق والمسدِّد والعالِم، وأسألكم الدعاء.
الصرخي الحسني
عشرة جمادي الأولى 1432 هـ
23 – 7 – 2011