بيان رقم – 34 –
((تدخّل دول الجوار))
سؤال وجـِّه لسماحته (دام ظله) عن التدخّل الإيراني في العراق حيث أجاب قائلًا:
بسمه تعالى:
الكلام كثير، نكتفي بذكر بعض الأمور:
الأول: من الجانب الشرعي والأخلاقي والإنساني والرسالي يجب السَّير إلى وعلى وفي منهج الرسول الكريم ووصيه الأمين والعترة المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، المنهج الإلهي القويم الواضح العادل الصالح، والذي جُسّد بفعل وقول المعصومين (عليهم السلام):
أ– فعن المصطفى (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله): من أحبّ عمل قوم أُشرك في عملهم.
ب– وعن خاتـم المرسلين (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله): من أصبح لا يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم.
جـ– وعن الوصي الأمين (عليه السلام): إياكَ والخديعة فإنّ الخديعة مِن أخلاق اللِّئام.
د– وفي كتـاب لأميـر المؤمنين (عليه السلام) لمالك، كتب (عليه السلام): وأشعِرْ قلبَكَ الرَّحمةَ للرعيةِ، والمَحبّةَ لهُم، واللطفَ بِهِم، ولا تَكُوننَّ عَليهِم سَبُعًا ضَاريًا تَغتَنمُ أكلهُم، فإنَّهُم صِنفَان:
(1) إمَّا أخٌ لكَ في الدِّينِ (2) أو نَظيرٌ لكَ في الخَلقِ.
هـ– وفي كتاب لسيد الموحدين (عليه السلام) لعثمان بن حنيف الأنصاري (وهو عامله على البصرة) جاء فيه: ألا وإنَّ لكلّ مأمومٍ إمامًا يَقتَدي به ويستضيءُ بنورِ علمهِ، ألا وإنَّ إمامكُم قد اكتفى من دُنياه بِطِمرِيِه، ومن طُعمِه بِقُرصَيِه، ألا وإنَّكم ولا تَقدرون على ذلك، ولكن أعِينُوني بورعٍ واجـتهـاد وعِفِّة وسَـدَاد،…. .
وإنّما هي نفسي أُروّضُها بالتّقوى لتأتي آمنةً يوم الخَوفِ الأكبرِ، وتَثبتَ على جَوَانبِ المَزلقِ.
ولو شِئتُ لاهتَديتُ الطريقَ إلى مُصَفَّى هذا العَسَلِ ولُبَابِ هذا القَمحِ، ونَسَائِجِ هذا القَزِّ، ولكن هَيهَاتَ أن يَغلِبَني هَوَايَ، ويَقُودَنِي جَشَعي إلى تَخَيُّرِ الأطعمَةِ،
ولعلَّ بالحجَازِ أو اليَمَامَةِ من لا طَمَعَ لهُ في القُرصِ، ولا عَهدَ لهُ بالشِّبَعِ! أوَ أبِيتَ مِبطَانًا وحَولِي بُطُونٌ غَرْثَى، وأكبَادٌ حَرَّى! أو أكُونَ كَمَا قَالَ القائلُ:
وحَسبُكَ عَارًا أن تَبِيت بِبِطنةٌ وحَولَكَ أكبادٌ تَحِنُّ إلى القِدِّ
و– وقال أيضًا (عليه السلام): أأقنَعُ من نَفسِي بأنْ يُقال: ((هذا أمير المؤمنين)) ولا أُشَاركهُم في مَكَارِهِ الدَّهرِ، أو أكُونَ أُسوَةً لَهُم في جُشُوبَةِ العَيشِ،
فما خُلقتُ (1) لِيَشغَلَني أكّلُ الطيَّباتِ، كَالبهِيمَةِ المربُوطَةِ، هَمُّهَا عَلفُهَا، أو المُرسَلَةِ، شُغلُهَا تَقَمُّمٌها، تَكتَرِشُ من أعلافِهَا وتَلهُو عَمَّا يُرَادٌ بِهَا،
(2) أو أُترَكَ سُدىً، (3) أو أُهمَلَ عَابِثًا، (4) أو أجُرَّ حَبلَ الضَّلالَةِ، (5) أو أعتَسِفَ طَريقَ المَتَاهةِ…… إليكِ عَنِّي يَا دُنيَا….. والله لو كُنتِ شَخصًا مَرئيًّا وقَالَبًا حسّيّـًا لأقمتُ عَليكِ حُدودَ الله في عبادٍ غَرَرتِهِم بالأماني، وأمَمٍ ألقَيتِهم في المَهَاوي، ومُلوك أسلَمْتِهِم إلى التَّلَفِ وأورَدتهِمُ مَوَارِدَ البَلاء……
الثاني: من الجانب الوضعي الأمني والقانوني الدولي والسياسي فيوجد العديد من الأطروحات واللِحاظات والحيثيات نذكر في المقام ما يتعلق بها:
1– إنَّ الحديث عن إيران وتدخّلها في الشؤون العراقية..، أقول: إنّ الحديث عن إيران فقط وفقط.. بعيد عن الواقع الموضوعي وبعيد عن التحليل والتقييم المُنْصِف، إذ كيف يغفل العاقل عن الاحتلال وتدخّله الواضح الجليّ البديهي وفي كل الأمور وعلى جميع المستويات والاتجاهات العسكرية والأمنية والمخابراتية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وكيف يغفل العاقل المنصف عن تدخل دول الجوار الأخرى ودول الإقليم وغيرها حيث تواجدها وفعلها وفعلتها وتأثيرها على أوضاع وشؤون العراق وشعبه بتدخّلها المباشر أو غير المباشر في العديد من النواحي والاتجاهات المخابراتية والأمنية والإعلامية والاقتصادية والسياسية بل والعسكرية وغيرها.
2– يـمكن الادّعاء أنَّ التدخّل الإيراني في الشأن العراقي له أسباب ويعتمد على وسائل ووسائط، فالتدخّل نتيجة وليس سببًا والتدخّل لا يكون فعليًا وفاعلًا إلّا مع توّفر وتحقّق الوسائل والوسائط ومعالجتها وإزالتها، وبالتأكيد مع منعها ونفيها وإزالتها فإنَّ النتيجة والفاعلية والفعلية ستزول وتنتفي، ونذكر هنا من الأسباب والوسائل والوسائط:
أ– الاحتلال:
فللسياسي أو رجل الدولة الإيراني الادّعاء أنَّ تدخّله لدفع خطر وضرر الاحتلال الاستكباري الذي يترصّد ويتربّص بإيران (كغيرها من الدول الإسلامية والمستضعَفة) وينتظر الفرصة المناسبة لضربها والانقضاض عليها لإذلالها واستعبادها ونهب ثرواتها ومُصادرة مبادئها ودينها وأخلاقها وكرامتها وحرماتها.
ب– النفعيّون أهل الدنيا:
المتابع للساحة العراقية وأوضاعها لا يستطيع إثبات وجود ظاهري لقوات عسكرية إيرانية أو لأجهزة أمنية ومخابراتية على الأراضي العراقية بحيث يكون لهذا الوجود والتواجد تأثير على الأوضاع في العراق، إذًا لا بدّ أنْ يتجرّد المدّعي عن ثوب وقناع المجاملة الفارغة والنفاق السياسي خاصة مع الظروف والأوضاع الدموية المأساوية التي جرت وتجري في العراق وعلى شعبه المظلوم،…. أقول: لا بدّ للمدّعي أنْ يكون صادقًا مع نفسه ومع الآخرين ويشخّص الداء والمرض العضال والغدّة السرطانية الناخرة في هيكل العراق وشعبه، فيعلن بوضوح وصراحة وجود أشخاص وجهات وحركات ومنظّمات وأحزاب وغيرها لا تنظر إلّا إلى دنياها ومصالحها الشخصية النفعية الضيّقة ولا مانع ولا رادع لها عن تحقيق مصالحها ومنافعها الشخصية الضيّقة حتى لو تعاونت مع الاحتلال فضلًا عن غيره وحتى لو أدّى ذلك إلى تـمزيق العراق وشعبه وسفك الدماء وزهق الأرواح وهتك الأعراض،…..
فالواجب الأخلاقي والشرعي والإنساني والسياسي يفرض علينا تشخيص هذه الجهات وفضحها وكشف مخططاتها وتوجهاتها وعمالتها وتبعيتها سواء كـانت شيعية أم سنية، عربية أو كردية، مسلمة أم علمانية أم غيرها.
3– ما ذكر في النقطة السابقة وما أشرنا إليه بخصوص النفعيين وأهل الدنيا كما يجري على الجمهورية الإسلامية الإيرانية فإنّه يجري على باقي دول الجوار والإقليم وغيرها فالكلّ له الكثير من النفعيين أهل الدنيا، فالحديث عن إيران فقط وفقط بعيد عن الواقع والإنصاف العلمي والسياسي وهو من الكيل بـمكيالين.
4– ومع علاج تلك المشكلة والمعضلة والآفة السرطانية لا بدّ من إبراز وإظهار (أو تحقيق) الجانب الوطني والجهات الوطنية الصادقة المخلصة (سواء كانت سنية أو شيعية، عربية أو كردية، إسلامية أم علمانية، أم غيرها)، ولا بدّ من استحضار حقيقة موضوعية واقعية يدركها الجميع حتى إيران، والحقيقة تشير إلى أنَّ الأحسن والأفضل والأنسب والأصلح والأصحّ والأكرم والأثبت والأدوم لإيران الإسلامية ومصالحها وشعبها وشعبنا المسلم في إيران وغيرها هو التعاون والتعامل المتكافئ المتوازن الصادق مع جهة وطنية مبدئية مخلصة صادقة عاملة لشعبها ووطنها رافضة حقيقةً وصدقًا وعدلًا لأيّ تدخّل واحتلال شعوب وبلدان، فالحلّ أو من أساسيات ومبادئ الحلّ تحقيق وإبراز وإظهار الوطنيين والجهات الوطنية الحقيقية المبدئية الصادقة (سواء كانت سنية أم شيعية، عربية أم كردية، إسلامية أم علمانية).
5– والحقيقة الموضوعية المشار إليها في النقطة السابقة يدلّ عليها أو يؤيدها العلاقة المتوازنة المتكافئة المتحقّقة بين الجمهورية الإسلامية وبين المقاومة اللبنانية الوطنية الصابرة المجاهدة المنتصرة، فلنأخذ ونتعلّم من أهلنا المقـاومين اللبنانيين الصـامدين، ولنحقّق علاقات احترام وكرامة ومبادئ متوازنة متكافئة صادقة مع الجميع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية والمملكة العربية السعودية وكذلك تركيا والأردن والكويت وغيرها من الدول العربية والإسلامية وباقي دول العالم لنثبت للجميع صدقًا وعدلًا وإيـمانًا وثباتًا أنَّنا لم ولن نكون أداة بيد الغير للطعن والإضرار والتآمر على دول الجوار ولا على غيرها من دول العالم.
نسأل الله تعالى الفرج القريب العاجل عن العراق والعراقيين وكذلك عن أعزائنا وأحبابنا الفلسطينيين وجميع المسلمين والمستضعفين في العالم والحمد لله ربِّ العالمين والعاقبة للمتقين وصلِّ اللهم على محمد وآل محمد وعجّل فرج قائم آل محمد.
السيد الحسني
3 رمضان 1427هـ
26 / 9 / 2006م