جاء كلام المحقق الصرخي في تعليق سماحته على ما ورد في بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية
(( بيان تلبيس الجهمية:7، وما بين الصفحتين (191- 249) المعنونة في الفهرس بـعنوان {رؤية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ربّه في المنام}، فإنّنا نقتبس مقاطع محصورة بين الصفحتين (238- 249)، والكلام في مقاطع:
المقطع7: قال {{وَيْلَكَ، إِنَّ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، لِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ “أَنَّهُ لَمْ يَرَ رَبَّهُ”، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): {لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا}، وَقَالَتْ عَائِشَةُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا): {مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ}، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ (تَعَالَى): {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} (سورة الأنعام آية 103)، يَعْنُونَ: أَبْصَارَ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ الرُّؤْيَةُ كَانَتْ فِي الْمَنَامِ، وَفِي الْمَنِامِ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ وَفِي كُلِّ صُورَةٍ}}.
أقول: 1ـ في صفحة249 انتهى ما نقله ابن تيمية عن الدارمي، وقد أيّده ابن تيمية في أنّ الأحاديث كانت في المنام، لكن ليس مطلقًا، بل فقط أحاديث {رأيت ربي} التي كانت بالمنام في المدينة، أمّا رؤية اليقظة بالفؤاد مرّتين، فقد ذكرها تيمية، وأكّد عليها، ونقل هذا عن ابن عباس في تفسير آية النجم، قال تيمية في249 {{فعثمان بن سعيد (الدارمي) قد ذكر ما ذكر عن العلماء أنّ هذا كان في المنام بالمدينة لم يكن يقظة مع تثبيته لهذه الأحاديث، ولم يجعل ذلك الحديث في مكة، لأنّه كان بالمدينة في المنام، إذ قد ثبت عن ابن عباس أنّه كان يقول رآه بفؤاده مرّتين، ويذكر ذلك في تفسير قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}النجم13 وهذا إنّما كان بمكة}}، فثبّتوا هذه عندكم، فإنّه بعد ثبوت رؤية اليقظة بالفؤاد، فتكون كلّ الردود التي سجلها الدارمي وأقرها تيمية، لا تصلح للردّ على المريسي أو الرازي أو غيرهما مِن الجهميّة، لأنّ كلام الجهميّة على أقل المحتملات فهو يشمل رؤية اليقظة بالفؤاد إنْ صحّتْ، وها هي ثابتة عند تيمية وأئمته ولمرّتين على الأقل، فلا يصح الردّ على الجهميّة بأنّها كانت رؤيا منام، لأنّه ثبتتْ رؤية يقظة أيضًا لمرّتين بالفؤاد في اليقظة، ومع ثبوت رؤية اليقظة بالعين كما ثبّتها ابن تيمية لاحقًا تحت عنوان {أبلَغ ما يقال..}، فتكون المسألة أوضح، فَيبْطُل كلّ ما سجَّلَه أئمة التجسيم التيمي على أهل التقديس والتنزيه بزعم أنّ الرؤية كانت في المنام!!!
2- أيضًا قلنا ونكرِّر ونؤكِّد أنّ ما يُقال ويُسجَّل مِن إشكال على رؤية اليقظة، فإنّه يقال على رؤيا النوم القُذة بالقُذة، وما يُقال عن رؤية الدنيا، يقال عن رؤية الآخرة، فعلى أهل التنزيه والتقديس مِن الأشاعرة والمعتزلة التحلّي بالشجاعة والثقة بالنفس وبالحق التنزيهي الذي يتمسَّكون به، فليعلنوها صراحة وللملأ جميعًا أنّهم، وكما قال ابن تيمية نفسه، أنّكم ترفضون كلّ الروايات التجسيميّة الأسطوريّة سواء كانت في اليقظة أو النوم أو الآخرة، فكلّها مخالفة للتقديس والتنزيه، لأنّ التيمية دائمًا يحتجّون عليكم ويتغلَّبون عليكم عادة في رؤية الآخرة التي تتحرّجون وتخافون إنكارها وإبطالها، فعليكم طرح كلّ روايات التجسيم مادامت تعارض كتاب الله (تعالى) في التقديس والتنزيه، وإن كان الراوي مسلمًا أو البخاري فضلًا عن غيرهما، فلا قدسيّة إلّا لكتاب الله (تعالى)، ولا قدسيّة إلّا للتقديس والتنزيه الإلهي ...