واصل سماحة المرجع الديني الأعلى السيد الصرخي الحسني (دام ظله) كلامه في موضوع (تقية الزنادقة إيمان وتقيتنا كفر ونفاق) موردا الشواهد الروائية عند الجانب الشيعي بعدما أنهى الشواهد القرآنية والسنية في محاضرته السابقة في موضوع التقية ، وشدد سماحته أن التقية فقط باللسان فهي قول شيء وخلاف ما يعتقد به الانسان.
وذكر سماحته رواية في كتاب دراسات في الحديث والمحدثين لهاشم معروف الحسني في موضوع (التقية في الكافي ) عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال: (أن الناس يروون أن علياً (عليه السلام) قال على منبر الكوفة: أيها الناس أنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تبرؤوا مني، فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على علي (عليه السلام)، ثم قال: إنما قال: أنكم ستدعون إلى سبي فسسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني واني لعلى دين محمد (صلى الله عليه وآله) ولم يقل ولا تتبرؤوا مني: فقال له السائل: رأيت أن أختار القتل دون البراءة، فقال: والله ما ذلك عليه وما له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان فانزل الله تعالى فيه))إلاّ من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان)) فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) عندها: يا عمار أن عادوا فعد فقد انزل الله عذرك وأمرك ان تعود ان عادوا)
وعلق سماحته ” لاحظ الرحمة والعاطفة والحب والخوف على الناس وعلى الأتباع وستجد الرحمة والشفقة عل أتباع أهل البيت وستعرف كيف يتألمون على كل شيء يذبح الآن بسبب الطائفية ” ولفت سماحته إلى شيء مهم وحساس في الرواية (ثم تدعون إلى البراءة مني واني لعلى دين محمد (صلى الله عليه وآله) ولم يقل ولا تتبرؤوا مني) مؤكدا ” حتى البراءة يجوز فيها التبرؤ من أمير المؤمنين للحفاظ على دماء أتباع أهل البيت عليهم السلام ” مضيفاً سماحته ” لساناً تبرأ من علي عليه السلام وخلص وأنقذ نفسك للحفاظ على الدماء”
وفي نفس السياق أشار سماحته إلى موقف عمار بن ياسر في الحفاظ على نفسه وكيف جوّز له النبي ان يعود ويتبرأ من الإسلام وان يسب الرسول من اجل حقن الدماء.
وقد ووجه المرجع الصرخي نداءه إلى المرجع الفاسق الفاجر الذي يدعو ويشرعن ويحث الناس على السب الفاحش : بأي دليل أتيت للناس وتفتي لهم بوجوب وجواز سب ولعن وفحش الصحابة وأمهات المؤمنين وترتب على هذا الطائفية والمذهبية والفتنة وإباحة الدماء والاعتداء على الأعراض فإذا كان سب علي والبراءة من علي واجبة لحقن الدم فكيف تبيح لهم لعن الآخرين ؟؟
كما وذكر سماحته شاهدا ثانيا في معجم أحاديث الإمام المهد ج4، قال الإمام الصادق (ع): انما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وايم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل انما نتقى، ولكانت التقية أحب اليكم من آبائكم وامهاتكم، ولو قد قام القائم (ع) ما احتاج إلى مسائلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حد الله)
وقد نوه سماحته انه لو قام القائم عليه السلام لما احتاج لكم، اي لا يحتاج نصرتكم ولأقام في كثير منكم من اهل النفاق الحد من الشيعة.
وتحت عنوان وثنية ومجوسية وأساطير بابلية واصل سماحته حديثة عن الحرانية حيث أورد عن العالم المشهور البيروني وهو عالم رياضيات وجغرافي ودين وغيرها مشيرا الى ان الغرب يهتمون به ويقيمون له المؤتمرات ، فقد أورد سماحته من كتاب البيروني (الآثار الباقية عن القرون الخالية) عن ديانة الصابئة قال (القول على تواريخ المتنبئين وأممهم المخدوعين عليهم لعنة رب العالمين … ونقول على تاريخ المتنبئين فقد خرج فيما بين ما أوردناه من الأنبياء والملوك نفر من المتنبئين ، يقصر الكتاب عن تعدادهم ، والإبانة عن إخبارهم ، فمنهم من هلك غير متبع ، ولم يبقَ إلا الذكر بعده فقط ، ومنهم من اتبعه أمة، وبقيت نواميسه عندها، وهم مستعملون تاريخه ، فمن الواجب ان نذكر تواريخ المشهورين منهم ، فان ذلك منفعة في علم أحوالهم أيضا ، وأول المذكورين منهم بوذاسف ، وقد ظهر عن مضي سنة من ملك طهمورث بأرض الهند واتى بالكتابة الفارسية ودعا إلى ملة الصابئين ، فأتبعه خلق كثير ، وكانت ملوك البيشداذية ، وبعض الكيانية ممن كان يستوطن بلخ (نهر البليخ احد تفرعات نهر الفرات الواقع في جنوب تركيا) يعظمون النيرين والكواكب ، وكليات العناصر ويقدسونها .. وبقايا أولئك الصابئة بحرّان ينسبون إلى موضعهم ،فيقال لهم الحرانية)
وعلق سماحته إن كلام البيروني واضح عن المتنبئين وليس عن الأنبياء والرسل ، وان البداية من الهند المعروفة تاريخا وحاضرا بوثنيتها وزندقتها إلى بلاد فارس والمجوسية وعبادة النار إلى حران .
وتحت عنوان الكعبة والأصنام ملك لصابئة حران ، فقد ذكر سماحته قول آخر للبيروني رحمه الله (ويذكرون أن الكعبة وأصنامها كانت لهم ، وعبدتها كانوا من جملتهم ، وان اللات كان بإسم زحل ، والعزى بإسم الزهرة، ولهم أنبياء كثيرة ، وأكثرهم فلاسفة يونان كهرمس المصري ، وأغاذيمون ، وواليس ، وفيثاغورس ، ويابا ، وسوار جد أفلاطون من جهة أمه ، وأمثالهم) وعلق سماحته وذلك :-
1- ان الدين الرسمي والمجتمعي في مكة هو الحراني الصابئي وكل من كان على الشرك فهو صابئي ان لم يكونوا يهودي او نصراني فلا مفخرة على من كان جده صابئي ونصرانيا وهنديا ومجوسيا ، فقادة الدولة وزعماء السلطة والبرلمانيون في دار الندوة في مكة ، ابو سفيان وابو لهب ومعاوية وآل مروان كلها حرانية صابئية وثنية مجوسية .
2- فهذا يعني ان مشركي مكة ومنهم آل ابي سفيان وآل مروان كانوا على دين الحرانية الصابئة وكما هو معروف الالتزام والافتخار والارتباط الوثيق بين الأمويين والمروانيين وأسلافهم .كما عبر يزيد :-
لأهلوا واستهلوا فرحاً … ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم … وعدلناه ميل بدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا … خبر جاء ولا وحي نزل
لست من عتبة ان لم انتقم … من بني احمد ما كان فعل
وقال سماحته على أبيات يزيد
أ- رواه ابن اعثم والخوارزمي وابن كثير وغيرهم.
ب- قال ابن اعثم ثم زاد يزيد فيها هذا البيت من نفسه [لست من عتبة ان لم انتقم … من بني احمد ما كان فعل] اي انه يقر ابناء احمد صلى الله عليه وآله وسلم مقابل الزنادقة مقابل الحرانية مقابل الصابئة مقابل مجوس مكة مقابل هنود مكة مقابل هندوس مكة مقابل سيخ مكة مقابل بوذية اهل مكة.
ج- في تذكرة خواص الأمة : المشهور عن يزيد في جميع الروايات انه لما حضر الرأس بين يديه جمع اهل الشام وجعل ينكث عليه بالخيران ويقول أبيات ابن الزبعري … قال الشعبي : وزاد عليها يزيد فقال لعبت هاشم بالملك فلا … خبر جاء ولا وحي نزل / لست من خندف إن لم انتقم … من بني احمد ما كان فعل
ولفت سماحته ان هذا البيت الشعري من يزيد يذكرنا بفعل الحرانية لا إسلام ولا مسيحية ولا يهودية مجرد ما تنتهي الازمة يرجون الى الحرانية، هؤلاء هم اجدادههم وهذا الفرع من الأصل لأن الحرانية في مكة فيوجد بينهما صلة ورحم .
3- ومن هنا وبالغريزة والعاطفة والتربية فأن الأمويين والمروانيين يحنون ويحبون ويرتبطون بدين آبائهم ومعتقداتهم وأساطيرهم ومن هنا نتوقع الميل والعاطفة والتقدير والاحترام والإكرام للحرانيين والصابئة من حيث أنهم يمثلون كهنة وأحبار ووقف حراني في مكة .
4- ذلك كله محتمل لأنه تابع للغريزة والعاطفة والتربية والبيئة التي عاشها ويعيشها الانسان والتي كشف عنها يزيد الفاسق بتلك الابيات الشعرية عند ارتكابه الجريمة الانسانية البشعة بحق سبط النبي المصطفى وسيد شباب اهل الجنة وآل بيته أصحابه عليهم الصلاة والسلام.
والجدير بالذكر ان هذه المحاضرة الرابعة بتاريخ 26 حزيران 2014 الموافق 27 شعبان 1435 تأتي ضمن سلسلة وقفات تحليلية مع ابن تيمية ، والتي تسلط الضوء على شخصية ابن تيمية وأفكاره ومنهجه والبيئة والمجتمع الذي عاشه وتربى بداخله وجدير ذكره ان المرجع الصرخي يناقش هذا الجانب بموضوعية فائقة العلمية ويعتمد على مصادر وادلة موثوقة تاريخيا وحديثيا عند الطرفين . ومن جانب آخر شهدت المحاضرة الرابعة حضور جماهيري واسع من طلبة حوزة وطلبة أكاديميين وأساتذة جامعات وباحثين علميين .