قسّم المرجع الديني الأعلى السيد الصرخي الحسني (دام ظله) الجملة إلى خبرية وإنشائية وعرّف الجملة الخبرية بأنها تخبرنا عن شيء وقضية وقعت في الخارج مثل (زيد في الخارج) أما الجملة الإنشائية فهي يراد منها تحقيق معنى مثل (صل) فالصلاة هنا غير موجودة وإنما يراد تحقيق معنى الصلاة .
وتابع سماحته في بيان رد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) لرأي صاحب الكفاية الذي هو( أن النسبة التي تدل عليها (بعت) في حال الإخبار و (بعت) في حال الإنشاء واحدة ولا يوجد أي فرق حين تتحدث (خبرية)عن بيعك للكتاب بالأمس وتقول: “بعت الكتاب بدينار” ترى أن الجملة تختلف عنها حين تريد أن تعقد الصفقة مع المشتري (إنشائية) ففي الخبرية يتصور النسبة بما هي حقيقة واقعة لا يملك من أمرها شيئاً إلا أن يخبر عنها إذا أراد ، وأما حين يقول في الإنشائية ” بعتك الكتاب بدينار ” فهو يتصور النسبة لا بما هي حقيقة واقعة مفروغ عنها بل يتصورها بوصفها نسبة يراد تحقيقها.
وبين السيد المرجع ما ذهب إليه السيد محمد باقر الصدر ( قدس سره ) في مرحلة المدلول التصوري بين الجملتين وإنما الفرق في مرحلة المدلول التصديقي لأن البائع يقصد بالجملة إبراز اعتبار التمليك بها وإنشاء المعارضة عن هذا الطريق وغير البائع يقصد بالجملة الحكاية عن مضمونها فالمدلول التصديقي مختلف دون المدلول التصوري.
وكان رد السيد الصدر على صاحب الكفاية
ومن الواضح أن هذا الكلام إذا تعقلناه فإنما يتم في الجملة المشتركة بلفظ واحد بين الإنشاء والإخبار كما في (بعت) أي يتم في اللفظ الواحد في الجملتين فمثلاً (صل) لا تستعمل في قضية وقعت سابقاً أنما حصلت لطلب الحدوث ولا يمكن القول هنا بأن المدلول التصوري(أفعل) نفس المدلول التصوري للجملة الخبرية وأن الفرق بينهما في المدلول التصديقي فقط ، والدليل على عدم إمكان هذا القول إنا نحس بالفرق بين الجملتين حتى في حالة تجردهما عن المدلول التصديقي وسماعهما من لافظ لا شعور له. اذا صدر اللفظ من حجرين هل نفهم من (صم) إخبار الصيام أم مجرد إنصراف الذهن هو معنى طلب إنشاء الصيام .
وقد أورد المرجع الديني السيد الصرخي عدة تنبيهات حول صاحب الكفاية والسيد محمد باقر الصدر ( قدس سرهما )
1- لو كان عنوان البحث الفرق بين الجملة الإنشائية والجملة الخبرية المشتركة بلفظ واحد على تعقل كلام صاحب الكفاية فإشكاله تام .
ولا يرد عليه ما سجله السيد الصدر مع ملاحظة أن الأستاذ المعلم ملتفت لذلك حيث أشار إلى تعقل كلام صاحب الكفاية في الجملة المشتركة وأشكل عليه بالجملة غير المشتركة .
2- فرع السيد الصدر جوابه على فرض التعقل بما ذكره صاحب الكفاية حيث قال (أن هذا الكلام إذا تعقلناه فإنما يتم في الجملة المشتركة بلفظ واحد بين الإنشاء والإخبار كما في (بعت) ) .
3- على فرض التعقل فان الإشكال يرد على السيد الصدر في أصل البحث حيث أنه لم يفصل بين الجملة المشتركة وبين غيرها (أي أن إشكال صاحب الكفاية يصلح للرد على السيد الصدر في حصة من الحصص إذا كان اللفظ مشتركا) بل كلامه منصباً على إثبات تعدد الجملة في الجملة المشتركة .
4- من هنا ذكر المتحصل والنتيجة على عمومها لكل الحالات المشتركة وغير المشتركة ، أي أنه تحدث عن الدلالة الوضعية التصورية موضوعة للنسبة التامة أما الجملة الإنشائية موضوعة للنسبة التامة المنظورة بما هي نسبة يراد تحقيقها على نتيجة عامة ، أي أعتمد على حصة خاصة وعمم الحكم شاملاً .
5- كلامه واضح في الوضع والدلالة التصورية وعليه فأنه على فرض تعقل كلام صاحب الكفاية فانه لا يتم ما ذكره السيد الصدر بل عليه أن يفصل بين الجمل مشتركة اللفظ وغيرها .
6- وأنا أؤيد ما ذكره صاحب الكفاية فكلامه معقول وتام وينتج عنه التفصيل
أ- في الجمل غير مشتركة بلفظ يقال الجملة الخبرية موضوعة منظوراً لها بما هي قضية تحققت ومفروغ عنها والجملة الانشائية موضوعة لنسبة منظور لها يراد تحقيق معنى .
ب- في الجملة المشتركة باللفظ موضوع لمعنى واحد وهو النسبة التامة فلا فرق بينهما في مرحلة المدلول اللغوي التصوري ولكن الفرق بينهما في مرحلة المدلول التصديقي.
7- الدليل أنه إذا صدر لفظ (بعت) من لافظ لا شعور له أو من حركة حجر أو ريح فمن أين يقصد الإنشاء أم الإخبار ؟ فمعرفة ذلك من حال المتكلم وظاهر حال المتكلم وهذا واضح .
وفي ذات السياق لفت سماحته الى خطورة ابن كاطع بقوله ” قلنا يوجد شيء مهم وخطر والدعاوى الضالة هي من أخطر الدعاوى التي تضر المذهب والإسلام فقضية لا صوت لا صورة تنطبق على مدعي العصمة ” كما وأنه قال أن ابن كاطع مسخ إلى قرد بعد المباهلة مطالبا أتباعه أن يظهروا صورة له كي يثبتوا حقيقة ما حدث بعد المباهلة ، مشيراً إلى قضية الصوت يمكن فبركتها فقضية ابن كاطع يمكن أن تستمر إلى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام ).
وتابع سماحته في موضوع الدلالات التي يبحث عنها علم الأصول منوهاً إلى أن العناصر المشتركة هي كل أداة لغوية تصلح للدخول في أي دليل مهما كان نوع الموضوع الذي يعالجه الدليل ومثاله صيغة فعل الأمر أو حجية الظهور وحجية خبر الآحاد ، والعناصر الخاصة في عملية الاستنباط هي كل أداة لغوية لا تصلح للدخول إلا في الدليل الذي يعالج موضوعاً معيناً ولا أثر لها في استنباط حكم موضوع آخر.
وأكد سماحته أنه يشعر بخلل في تقسيم هذه الأدلة المشتركة والخاصة متسائلاً عن بعض العناصر التي تدخل في بعض الأدلة لا في موضوع معين ولا له صلاحية يدخل في كل الأدلة ، حيث طرح تعريف جديد للعناصر الخاصة (العناصر الخاصة في عملية الاستنباط هي كل أداة لغوية لا تصلح للدخول في كل الأبواب ).
ومن الجدير بالذكر أن المرجع السيد الصرخي يورد العديد من التعليقات والتنبيهات من متن الحلقة الأولى ويفصلها ويوجه العبارات لحل تلك الإشكالات ويعد هذا من أمهر عمليات التدريس ذات الدقة والعمق والعلمية المتينة .