المركز الإعلامي _ إعلام المعقل
أقيمت صلاة الجمعة المباركة في مسجد الصديقة الطاهرة – عليها السلام – في محافظة البصرة بإمامة الشيخ أحمد الشميلاوي* -دامت توفيقاته- وذلك في اليوم الجمعة المصادف 14 كانون الأول 2018 ميلادية الموافق السادس من ربيع الثاني 1440 هجرية ، حيث تناول الشيخ الشميلاوي في الخطبة الأولى تزامنا مع ذكرى استشهاد السيّدة فاطمة الزهراء-عليها السلام- جانب من حياتها الشريفة
فهذه المرأة العظيمة تركت آثار وبصمات رائعة قد عملتها في حياتها فعند المقارنة بينها وبين مريـم بنت عمران-عليها السلام- وكلامنا هنا ليس من ناحية التفضيل بينهما بل من ناحية الحركة والعمل على الواقع وفي النهاية ان الامرٌ يرجع كله إلى اللّه في تفضيل أحدهما على الاخر .
واشار خطيب الجمعة الى اهم الجوانب المهمة في حياة السيدة الزهراء والسيدة مريم -عليهما السلام – فعندما نقرأ حديث القرآن الكريـم عن السيِّدة مريـم -عليها السلام- فإنَّنا نجد أنَّ اللّه اصطفاها وطهّرها واصطفاها على نساء العالمين، حيثُ جعلها أمّاً لعيسى -عليها السلام- وآيةً من آيات اللّه في ولادتها لعيسى -عليها السلام- من غير أب، وأنَّ الله -سبحانه وتعالى- {أَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} وهكذا، عاشت التجربة الصعبة، ورعاها اللّه رعاية مباشرة، حيثُ إستطاعت أن تقبل على قومها لتثبت أنَّها الطاهرة العفيفة التي لا غُبار على أخلاقيتها وعفّتها،
ولـم نجد في القرآن على الأقلّ، أيّة حياةٍ متحرّكة للسيِّدة مريـم-عليها السلام- بل كلّ ما تحدّث عنه القرآن هو {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالِمِينَ}[3]، {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}[4]، حيثُ ضربها اللّه مثلاً للذين آمنوا من الرجال والنساء، بل كانت إنسانةً في المستوى العالي من الروحية والمحبّة للّه والإقبال عليه، وكانت الإنسانة الطّاهرة العفيفة الّتي صدّقت بكلمات ربِّها وكتبه. أمّا حركيتها في الواقع، فإنَّ القرآن لـم يحدّثنا عن ذلك.فإذا جئنا إلى سيِّدتنـا فاطمة الزّهراء-عليها السلام- فإنَّنا نـجد أنَّها لا تختلف عن السيِّدة مريـم-عليها السلام- في هذا السموّ الروحي الّذي كانت تعيشه مع اللّه، فكانت تقوم اللّيل حتّى تتورّم قدماها، كما يتحدّث ولدها الإمام الحسن-عليها السلام- وكانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات قبل أن تدعو لنفسها، وعاشت حياتها مع اللّه، كما عاشت مع رسول اللّه ووليّه، اللّذين تميّزا عن المجتمع من حولهما كما جاء في الآية الكريمة: {إِنَّما يُريدُ اللّهَ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً} . أمّا حياتها المتحرّكة، فإذا كانت السيِّدة مريـم-عليها السلام- قد احتضنت السيِّد المسيح -عليها السلام- وربّته، وأعطته الحنان كلّه والعاطفة كلّها، وعاشت آلامـه كلّها عندما عُذِّب وأُريد له أن يُصلب: {وَمَا قَتَلُـوهُ وَمَا صَلَبُـوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}[8]، فإنَّ السيِّدة الزّهراء -عليها السلام- عاشت منذ طفولتها الأولى آلام رسول اللّه -صلى الله عليه وآله سلم -، وتفاعلت مع هذه الآلام، وكانت كما تقول كتب السيرة، تستقبل رسول اللّه-صلى الله عليه وآله سلم – عندما يعود من المسجد، والقوم قد ألقوا أمعاء الجزور على ظهره، فكانت تستقبله بكلِّ بكاء الحنان والعاطفة، وتغسل ذلك عنه.وكانت تعيش وحدة رسول اللّه -صلى الله عليه وآله سلم – في طفولته عندما فقد أباه وأمّه، ووحدته بعد أن فقد أمّها أمّ المؤمنين خديجة -عليها السلام- فكانت فاطمة -عليها السلام- تعيش هذه الحركيّة النبويّة في كلِّ وجدانها وكيانها، وتُعطي رسول اللّه -صلى الله عليه وآله سلم – كلّ ينابيع الحنان المتفجّرة من قلبها،
وتطرق الشيخ الشميلاوي في الخطبة الثانية إلى -*حركة السيدة الزهراء في المدينة – حيث دخلت المدينة مع رسول اللّـه -صلى الله عليه وآله سلم – ومع علـي -عليه السلام- وكانت مع علي -عليها السلام- تعيش في بيت رسول اللّه -صلى الله عليه وآله سلم – فلم يكن لعلي -عليها السلام- بيـتٌ غير بيـت النبي ّ-صلى الله عليه وآله سلم – وتزوّجت عليّاً -عليه السلام- وبدأت معاناتها في الجهد الّذي كانت تبذله مع أولادها، في الفقر الّذي كان يطبق على هذا البيت المبارك، وكانت تُمارس أعمال البيت بنفسها، حتّى إنَّها تقاسمت مسؤوليّات البيت مع علي ّ-عليه السلام- فكان عليها أن تطحن وتعجـن وتخبـز، وكان على علي -عليه السلام- أن يستقي ويحتطب ويكنس البيت. فمن منكم مستعدّ لأن يكنس بيته أو يُعاون أهله في الشؤون المنـزليّة؟ حتّى إنَّهما ذهبا إلى رسول اللّه -صلى الله عليه وآله سلم – ليطلبا خادماً لها، فعلّمهما رسول اللّه -صلى الله عليه وآله سلم – تسبيح الزهراء، وكأنَّه أراد لهما الرّاحة الروحيّة التي تستوعب التعب الجسدي وتمتصه.
وكانت الزّهراء -عليها السلام- في حياة رسول اللّه -صلى الله عليه وآله سلم – تبذل جهد الدّعوة والتربية، وكانت تستقبل نساء المسلمين، لتحدّثهم عمّا تعلّمته من رسول اللّه -صلى الله عليه وآله سلم – وما ألهمها اللّه إيّاه، وبذلك، كانت حياتها حياة متحرّكة، بحيث كانت توزّع جهودها بين أبيها الّذي كان بيتها قاعدةً له، وزوجها الذي كان ينطلق بين وقتٍ وآخر إلى الحرب، ليعود وهو يحمل وسام الانتصار، وأبنائها الّذين ربّتهم تربية رائعة، والمجتمع المسلم الذي كانت ترعاه في شقّه النسوي…. والجدير بالذكر يعتبر منبر صلاة الجمعة باب من أبواب الله الصادحة للتذكير بالتعاليم الإسلامية التي سعى أبناء المعقل من أجل إقامتها .
ركعتا صلاة الجمعة