المركز الاعلامي – اعلام القرنة
أقيمت صلاة الجمعة المباركة في جامع سيد الكائنات – صلّى الله عليه وآله وسلّم – بإمامة الشيخ أنس المالكي – دام عزه – في 22 من شهر شوال 1439 هـ الموافق السادس من تموز 2018 م
حيث تناول الشيخ المالكي في خطبته الأولى عن سمات من حياة الإمام الصادق – عليه السلام – قائلًا :
سنتوقف عند واحدة من السمات التي تميز بها هذا الإمام وهي سمة الانفتاح العلمي والعملي على المسلمين بكل تنوعاتهم المذهبية والفكرية ما جعله قادرًا على تحديد مواقع اللقاء مع الآخرين في الفقه والعقيدة والتفسير وغير ذلك من العلوم وعلى معرفة مواطن الاختلاف، وهو ما نحتاجه في هذه المرحلة لأنه يؤسس لحوار حقيقي إن لم يؤدِ إلى اتفاق , فلا حوار منتج إن لم يبنى على معرفة صحيحة بالآخر.
وتطرق الشيخ المالكي مبينًا تلك السمات قائلًا :
ولقد عبر عن هذه السمة أفضل تعبير ذلك اللقاء المثير الذي جمع الإمام الصادق مع أحد أئمة المذاهب الإسلامية أبو حنيفة إمام المذهب الحنفي , حين جاء إليه الخليفة العباسي “المنصور” وقال له: إنّ الناس قد افتُتنِوا بجعفر بن محمّد، فهيّء له من المسائل الشِّداد التي تفحمه وتظهر تهافته , فقد كان المنصور يخشى كثيرًا من تنامي موقع الإمام الصادق – عليه السلام – العملي وحضوره في المجتمع، حيث كان يفد إليه طلاب العلم من كل مكان , حتى قال أحدهم: دخلت مسجد الكوفة فرأيت تسعمائة عالم يدرسون وكل منهم يقول حدثني جعفر بن محمد , وللإنصاف حاول أبو حنيفة التنصل من هذا الأمر احترامًا لأستاذه، فهو قد تتلمذ على يديه وقال عنها لأهميتها لما نهل من العلم منها: (لولا السنتان لهلك النعمان) , ولكونه كان يعرف صعوبة هذا الموقف، وهو الذي عندما كان يسأل من أفقه الناس كان يقول جعفر بن محمد.
وبين خلال الخطبة قائلًا :
بذلك أقرَّ بمدى تميز الإمام – عليه السلام – وبمعرفته العميقة والواسعة بالإسلام وانفتاحه غير المسبوق على كل آراء الذين يختلفون معه بحيث كان قادرًا أن يعبر عنها بكل دقة وباحترام وكأنهم يعبرون هم عن أنفسهم. فالإمام – عليه السلام – إذن لم يقتصر في الإجابة على رأي أهل البيت – عليه السلام – بل عرض كل الآراء، وهو بذلك أراد أن يؤكد أن على العالم أن لا يتعقد من الرأي الآخر، فالقوي هو الذي يظهر الرأي الآخر، أما الضعيف فهو الذي يخشاه وكذلك يسعى إلى تشويهه أو إخفائه.
وأختتم الخطبة بقوله : إننا في هذه الذكرى الكريمة، ندعو المسلمين وغير المسلمين إلى أن تتعلم من الإمام الصادق – عليه السلام – درس الحوار وإتقان لغة التواصل، وإزالة القطيعة بمد جسور المحبة مع الآخرين و خاصة في عصر تساهم فيه وسائل الإعلام والمفتنين في شيطنة الآخر وتكفيره , وهذا هو ما أدرجه الإمام – عليه السلام – في وصيته التي وجهها إلى شيعته ولكل الذي ينصتون إليه , حين دعاهم إلى التواصل مع المسلمين الآخرين، بأن يصلوا في مساجدهم ويعودوا مرضاهم حتى يقول الناس رحم الله جعفر بن محمد فقد أدب أصحابه على الانفتاح وعدم التعصب والانغلاق ومن وصيته لأصحابه سلام الله عليه : “أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السّجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمّد – صلّى الله عليه وآله وسلّم – أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها، برًا كان أو فاجرًا، فإنّ رسول الله كان يأمر بأداء الخيط والمخيط , فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث، وأدّى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا جعفريّ ويسرّني ذلك، وإذا كان على غير ذلك، دخل عليّ بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر، فوالله لحدثني أبي أنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ، فيكون زينها أدّاهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث”.
إن هذه القيم قيم المعرفة بالآخر والانفتاح والتواصل والحوار التي دعا إليها الإمام لتكون عنوان العلاقة بين المذاهب الإسلامية حثَّ لتكون أيضًا عنوان العلاقة بين الأديان الأخرى، وحتى مع الجماعات التي لا تؤمن بدين، وهو الذي حاورها بكل انفتاح ومحبة، حتى قال عنه أحد أبرز رموزها في ذلك العصر وهو ابن المقفع “ما من أحد أوجب له اسم الإنسانيّة إلاّ الإمام الصادق”.
ركعتا صلاة الجمعة