أستأنف سماحة المحقق المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد الصرخي الحسني (دام ظله) إلقاء البحوث الأصولية لحلقات الأستاذ المعلم الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدست نفسه الزكية)، الجمعة 28 ربيع الثاني 1435 هـ، 28 / 2 / 2014 م، ولكن هذه المرة باسلوب وطريقة مختلفة عن الاسلوب والطريقة السابقة من حيث العمق والسعة والشمول في الطرح وتناول الموضوعات آخذا بنظر الاعتبار كون العديد من الحاضرين هم ممن واكب تلك البحوث التي ألقاءها عبر تسجيل صوتي على (أقراص سي دي) مسبقاً.
وكعادتها فقد شهدت تلك البحوث استعراض جملة من مواقف التاريخ الحوزوي لسماحة المرجع (دام ظله) وممن عاصرهم من أساتذته كالسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) والسيد السيستاني والشيخ الفياض (دام ظلهما) وغيرهم، أو اطلع على سيرة بعضهم كسيرة الأستاذ المعلم الشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد الخوئي (قدس سرهما)، كما يتميز السيد الصرخي الحسني (دام ظله) بكيفية الربط بين النكات العلمية الاصولية وموارد البحوث وبين الواقع الخارجي للشارع العراقي على المستوى الاجتماعي والسياسي والاخلاقي وغيرها مما يزيد من تفاعل الحضور،
وعدً سماحته (دام ظله) هذه البحوث ضمن {{سلسلة البحوث الاصولية / مرحلة التمهيد لما بعدها من بحوث الخارج}} وهي مرحلة مفتوحة الى أن يشاء الله تعالى ومن حق الجميع المشاركة والحضور فيها لحين المحصلة النهائية للبحث الخارج حيث سيتم انتخاب واختيار الاسماء المؤهلة لتلك المرحلة،
وقد أشار سماحته (دام ظله) إلى أن من بين أسباب البدء في البحث الاصولي هو تكرار الاستفتاء من بعض المؤمنين من السودان يشير إلى انتشار الحركة الاخبارية وضعف انتشار الفكر الاصولي هناك لانحراف من ينتسب للمدرسة الاصولية وانشغالهم في طلب الجاه والسمعة والتعصب الطائفي وتراجعهم علمياً لعطي سماحته ردا قاطعا على ابطال المدرسة الاخبارية كون من يتبنى اراء تلك المدرسة سيكون امام كم هائل من الروايات المتعارضة واستغرب سماحته من المنهجية لاصحاب المدرسة الاخبارية في قبولهم كل الروايات الصحيحة والضعيفة في الكتب الأربعة، التهذيب والاستبصار والكافي ومن لا يحضره الفقيه، كون الفقيه سيكون أمام روايات متعارضة ومتناقضة ومتضادة فيما بينها فكيف يمكن لهم حل ذلك التعارض خصوصا فيما لو وجدنا أن نفس الكتاب وتحت نفس العنوان في نفس الباب لنفس المؤلف يطرح تلك الروايات المتناقضة ، فكيف يمكن التوفيق بين تلك الروايات المتعارضة وكيفية علاجها وحلها ما لم يكن الحل لذلك التعارض بمباحث علم الاصول.
وابتدأ سماحته (دام ظله) الدرس بتعريف علم الاصول وضمن مقدمة تمهيدية للتعريف تبين حكم العقل بضرورة معرفة الاحكام الشرعية كون المكلف ملزم بطاعة المولى وامتثال اوامره ونواهيه ومنها يتفرع ضرروة تصدي البعض للبحث عن تلك الاحكام ومن خلال الادلة لصعوبة ان يتفرغ الجميع للتصدي وهذا البعض هو المسمى بالفقيه المجتهد والعلم المتكفل بمعرفة تلك الاحكام هو علم الفقه وترتكز عملية الاستنباط بالنسبة للفقيه الادلة المحرزة والاصول العملية.
كما وضّح أنّ عمل الأصولي هو دراسة العناصر المشتركة التي تدخل في جميع ابواب الفقه فيكون تعريف علم الاصول هو (العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي او الجعل الشرعي).
ثم انتقل في بحثه الاصولي الى تاريخ عملية الاجتهاد وما رافقها من شبهات واشكاليات حول كلمة (الاجتهاد) التي كانت تتبناها مدرسة أبي حنيفة النعمان واختتم درسه بسرد بعض التصنيفات التاريخية الذامة لهذه العملية التي هاجمها وردها الائمة الاطهار (عليهم الصلاة والسلام) ونتج عن ذلك ان الاجتهاد المنبوذ والمذموم من قبل الامامية هو الاجتهاد بالرأي الشخصي والقياس والاستحسان ومع ايضاح معنى ومفهوم كلمة الاجتهاد وتعريفها لغة بأنها بذل الجهد أو مافي الوسع فيرتفع الاشكال والاعتراض على من يعمل بهذا النحو من بذل الجهد وما في الوسع لتحصيل الحكم من خلال استنباطه وفق الأدلة سواء كانت أدلة محرزة وكاشفة عن الحكم بحسب أقسام الكشف أو عن طريق القواعد الكلية أو بما يسمى بالاصول العملية التي تحدد وظيفة المكلف تجاه الاحكام المشكوكة وبالتالي يظهر الاختلاف الجذري بين المفهومين أو المعنيين بين الاجتهاد المنبوذ والمذموم بقصد الرأي الشخصي وبين الاجتهاد الممدوح والمتاح العمل به بقصد بذل الجهد وما في الوسع أثناء عملية الاستنباط وعن طريق الادلة بكلا نوعيها.
كما سجل سماحته (دام ظله) إشكالاً على أصحاب مدرسة الرأي لأنهم يلجأون إلى الإجتهاد بالرأي ليس فقط حين التعذر على معرفة حكم واقعة معينة من النص بل تجد لهم اجتهادا شخصيا مقابل النص أي مع وجود النص يكون رأيهم الشخصي مقدما ومن يعمل بهذا فيكون اجتهادا مقابل النص.
هذا وقد تطرق سماحته (دام ظله) خلال الدرس الاصولي الى العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية التي تهم الحدث السياسي العراقي وخصوصا رواتب البرلمانيين وامتيازاتهم واعتبرها قضية مسيسة ومعالجتها فارغة، لافتاً الى أن من رفع شعار قطع الرواتب هو أول من أمضى قضية الحصول على الراتب.
يذكر ان تلك البحوث تشهد حضورا كبيرا ومميزا من مختلف الشرائح الاجتماعية وهي المرة الاولى التي يكون فيها القاء مثل هكذا ابحاث على عامة الناس بينما سار العرف الحوزوي في اقتصارها على بعض الاصناف من الحوزة بنحو أخص.